الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
لقد أمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين، وجعل ذلك من أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله، ومن أقرب السبل الموصلة إلى رضاه، فجزاك الله خير الجزاء على حرصك على بر والديك، وإحسانك إليهما، والإنفاق عليهما، وإيثار ذلك على حظوظ نفسك، فأبشر ببركة هذا العمل في الدنيا والآخرة، إن كنت قصدت به وجه الله، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، أما عن والدك –نسأل الله أن يهديه- فما ذكرته عنه من اقتراف الفاحشة إن كنت متيقناً من ذلك فهو منكر كبير وسلوك مشين، وأكبر منه تركه للصلاة، فإن الصلاة أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله، وقد عدّ بعض العلماء تركها كفراً أكبر مخرجاً من الملة، لكن هذا لا يبيح لك مقاطعة والدك أو التقصير في بره، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك. قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14}
فبرك بأبيك ليس مرهوناً بصلاحه، أو عرفانه بجميلك، وإنما هو استجابة لأمر الله ورجاء ثوابه بشرط أن يكون ذلك خالصاً لوجهه تعالى، واعلم أنه مهما عظم ذنب العبد وكثرت ذنوبه، فإنه إذا تاب توبة صادقة، تاب الله عليه، وينبغي للمؤمن أن ينظر إلى أصحاب المعاصي نظرة شفقة، ويستشعر نعمة الله عليه في معافاته من الوقوع في مثل ذلك ، فإن عصمة العبد من الوقوع في المعاصي محض فضل من الله تعالى.
قال تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21} وقال تعالى: وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {الحجرات:8،7}
فينبغي للمؤمن أن يتسع قلبه رحمة ورأفة للعصاة، ويرجو لهم الهداية والتوبة، ولا ينافي ذلك إنكاره للمنكر، وبغضه للمعصية، فإنه لا يكره العاصي لذاته، وإنما يكرهه لما تلبس به من المعصية.
قال ابن القيم في طريق الهجرتين في مشاهد الناس في المعاصي: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم. انتهى.
فإذا كان ذلك مع عامة الناس فهو بلا شك مع الوالد أولى، فعليك أن تنصحه بالرفق، وتستعين بمن ينصحه ممن يقبل نصحه، ولا تدخر وسعاً في كل ما يذكره بالله ويخوفه العاقبة ويأخذ بيده إلى طريق الطاعة والهداية، وعليك أن تجتهد في الدعاء له بالهداية.
والله أعلم.