الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فرسم ذوات الأرواح إذا كان باليد على اللوحات والجدران والثياب ونحوها، فهو محرم عند جماهير العلماء، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 14116.
وأما رسم وتصوير ما لا روح فيه من الأشجار والأنهار ونحو ذلك، فقد ذهب جمهور العلماء إلى جوازه، وهو الراجح؛ لما ورد أن رجلا أتى ابن عباس فقال له: إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير؟ فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، سمعته يقول: من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا، فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال: ويحك؛ إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح. متفق عليه.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل عليه السلام فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب. فأمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، وأمر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتين منبوذتين توطآن، وأمر بالكلب فليخرج. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني. فقوله: فيصير كهيئة الشجر دليل على أن المنع يختص بتصوير ما فيه روح دون غيره.
وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65307 ،11562 ،15299.
وكلام ابن عباس السابق نص على أن الشجر ليس فيه روح، وهذا أمر معلوم بالضرورة، ولا يقول عاقل إن للشجر روحا، وأنه لا فرق بينه وبين ذوات الأرواح، فالشجر فيه حياة لكن ليست فيه روح، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ {الأنبياء:30} وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 32282 ،80291 .
وبهذا يعرف الجواب عن السؤال الثاني.
وأما السؤال الأول عن حكم رسم الآلات الموسيقية، فننبه ابتداءً إلى أنه سبق التحذير من استماع آلات اللهو، وبيان حرمة استعمال أدوات الموسيقى واستماعها إلا الدف للنساء، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6110 ،1455 ،5770.
وعليه؛ فلا يجوز رسم هذه الآلات التي يحرم استعمالها للترويج لها والإشادة بها؛ لما في ذلك من إقرار بالمنكر، وتشجيع عليه، وتعاون على نشره، والله تعالى يقول: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة: 2} اللهم إلا أن يكون رسمها على سبيل النهي والتنفير والتحذير والذم، كمن يرسم السجائر لهذه الأغراض.
والله أعلم.