الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في كون الإنسان مسيراً ومخيراً في آن واحد، فانظر لذلك الفتوى رقم: 79824، والفتوى رقم: 26413.
ولا شك أن الأمور الثلاثة التي ذكرها السائل إنما تقع بقضاء الله تعالى وقدره، وأن الإنسان فيها مسير ومخير، فأما كونها تقع بقضاء الله وقدره فهذا معلوم من الدين بالضرورة، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}، وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {الفرقان:2}، وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى {الأعلى:2-3}، أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه، ولهذا يستدل بهذه الآيات أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها وخلقه وإيجاده لها ومشيئته وإرادته لها، وهذا معنى كونه مسيراً أي أنه لن يفعل خلاف ما علمه الله تعالى وكتبه في اللوح المحفوظ وخلقه وأراده سبحانه وتعالى.
وأما كونه مخيراً فإن الله تعالى جعل للإنسان الاختيار كما هو مشاهد ومعلوم، فقد يختار شيئاً ويتم له؛ لأن الله كان قدره له، وقد يختار شيئاً ولا يوفق له لأن الله قدر غير ما اختاره العبد، فكتابة الله كتابة علم وإحاطة، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا {الطلاق:12}، فالذكاء والبلادة والزواج والوظيفة وكل شيء يقع في الأرض إنما هو بقضاء الله وقدره، والله تعالى هو الذي يقسم الأرزاق على خلقه، فمنهم الذكي ومنهم البليد ومنهم القوي ومنهم الضعيف ومنهم الغني ومنهم الفقير ومنهم الولود والعقيم ومنهم المتزوج والأعزب، وهذا كله لا ينافي حقيقة أن للإنسان اختياراً ومشيئة فيما يمكنه الاختيار فيه، وكثير من الأمور لا اختيار للعبد فيها كالأمور الجبلية مثل الذكاء والبلادة، وقوة البنية وضعفها، وطول الجسم وقصره ونحو ذلك، وكل هذا قدره الله تعالى بعلمه وحكمته: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ {الأنعام:149}، وانظر للأهمية في ذلك الفتوى رقم: 115214.
والله أعلم.