الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت تعني أنك قمت بهبة دارك وسيارتك وتوثيق ذلك، وكانت الهبة صورية، فالذي يظهر لنا أن حكم ذلك حكم البيع الصوري ويسميه الفقهاء بيع التلجئة وهو بيع باطل على مذهب الحنفية والحنابلة، وهو القول الذي نراه راجحاً .
جاء في الفتاوى الهندية: التلجئة هي العقد الذي ينشئه لضرورة أمر فيصير كالمدفوع إليه وأنه على ثلاثة أضرب أحدها: أن تكون في نفس البيع وهو أن يقول لرجل إني أظهر أني بعت داري منك وليس ببيع في الحقيقة ويشهد على ذلك ثم يبيع في الظاهر فالبيع باطل . انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: إذا أظهر العاقدان عقدا في الأموال ، وهما لا يريدانه ، أو ثمنا لمبيع وهما يريدان غيره ، أو أقر أحد لآخر بحق وقد اتفقا سرا على بطلان ذلك الإقرار الظاهر ، فقد قال بعض الفقهاء كالحنابلة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن : الظاهر باطل . وقال بعضهم كأبي حنيفة والشافعي : الظاهر صحيح ، وقد فصل ذلك الفقهاء في كتاب البيوع عند كلامهم على بيع التلجئة ، وسمى المعاصرون هذا العقد الظاهر بالعقد الصوري . انتهى .
وقال في كشاف القناع: وهبة التلجئة باطلة بحيث توهب في الظاهر ، وتقبض مع اتفاق الواهب والموهوب له على أنه ينزعه منه إذا شاء ، ونحو ذلك من الحيل التي تجعل طريقا إلى منع الوارث أو الغريم حقوقهم ؛ لأن الوسائل لها حكم المقاصد. انتهـى.
وقد استند الفقهاء القائلون ببطلان عقود التلجئة إلى ما رواه أبو داود والترمذي عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ . قال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وحسنه الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير ، وذلك لأن حكم من يعقد هذه العقود ولا يريد إمضاءها حكم الهازل
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وأما بيع الهازل ونحوه من التصرفات المالية المحضة فإنه لا يصح عند القاضي أبي يعلى وأكثر أصحابه وهذا قول الحنفية في ما أظن وهو قول المالكية ... وكذلك خرج بعض أصحاب الشافعي هذه المسألة على وجهين ومن قال بالصحة قاس سائر التصرفات على النكاح والطلاق والرجعة، والفقه فيه أن الهازل أتى بالقول غير ملتزم لحكمه وترتب الأحكام على الأسباب للشارع لا للعاقد ... ومن فرق بين النكاح وبابه وبين البيع وبابه قال الحديث والآثار تدل على أن من العقود ما يكون جده وهزله سواء ومنها ما لا يكون كذلك، وإلا لقيل إن العقود كلها والكلام كله جده وهزله سواء، وفرق من جهة المعنى بأن النكاح والطلاق والعتق والرجعة ونحو ذلك فيها حق الله سبحانه. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: وخص الثلاثة بالذكر لتأكد أمر الفروج، وإلا فكل تصرف ينعقد بالهزل على الأصح عند أصحابنا الشافعية؛ إذ الهازل بالقول وإن كان غير مستلزم لحكمه فترتب الأحكام على الأسباب للشارع لا للعاقد، فإذا أتى بالسبب لزمه حكمه شاء أم أبى ولا يقف على اختياره، وذلك لأن الهازل قاصد للقول مريد له مع علمه بمعناه وموجبه، وقصد اللفظ المتضمن للمعنى قصد لذلك المعنى لتلازمهما إلا أن يعارضه قصد آخر كالمكره فإنه قصد المعنى المقول وموجبه فلذلك أبطله الشارع. انتهـى .
وعلى هذا، فالقول الراجح لا تصح هذه الهبة ولا تترتب عليها آثار الهبة، فلا يصح تصرف زوجتك في الأشياء المذكورة إلا أن تجيز لها أنت ذلك التصرف .
وإذا كان الاتفاق قد تم على الهبة الصورية أو أنها مجرد وديعة فلا شك أن ما قامت به زوجتك هو من خيانة الأمانة .
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة فتوانا رقم : 111846 .