الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأنت لم تفهمي الجواب المُشكل فهماً جيداً، فإننا إنما أفتينا السائل بإعادة العشاء لأنه لم يصلها في وقتها، ولم يجمعها مع المغرب جمعا صحيحا عند أكثر أهل العلم؛ لأن من شرط الجمع بين الصلاتين تقديما الموالاة بينهما، أما إذا فرق بينهما بفارق طويل عرفا لم يصح الجمع، إذ تكون صورة الصلاتين صورة المجموعتين، وإنما رخص من رخص في الجمع بين الصلاتين للمعذور إذا حصلت صورة الجمع، بأن يفرغَ من الصلاة الأولى ثم يشرع في الصلاة الثانية دون فاصلٍ طويل عرفاً، سواء كان هذا الجمع حقيقياً أو صورياً.
وهذه الإيرادات التي أوردتها على الجمع الصوري لا تلزمُ القائل به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ حمنة أن تؤخر الظهر وتعجل العصر وتجمع بينهما بغسلٍ واحد، فهو ظاهرٌ كل الظهور في أنها تتطهر قبل خروج وقت الصلاة بوقتٍ لا يسعُ إلا مقدار فعلها، ومثلُ هذا لا ينضبطُ بالدقائقِ وإنما مرده إلى العرفِ والعادة، وما كان من تفاوتٍ يسير فإنه يُغتفر، والمهم أن يحصل مقصود الشارع من وقوع تلك الصلاة المجموعة مع ما بعدها جمعاً صورياً في آخر وقتها، بحيثُ تُفعل الصلاة التالية لها في أول وقتها، فتحصلُ صورة الجمع.
والقول بصحة الجمع الصوري لصاحب السلس بوضوء واحد قد بينا في فتاوى سابقة أننا اعتمدنا فيه على ما ذهب إليه بعض أهل العلم كتقرير الشوكاني له في السيل الجرار، وهو سائغ أيضا على مذهب المالكية. والأحوط هو العمل بمذهب الجمهور الذين اتفقوا على بطلان طهارة صاحب السلس بدخول وقت الفريضة الأخرى. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 98830.
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالأعراف فهذا صحيح، ولكن لا تعلق له بما نحن فيه، فإن كلامنا في جمع المعذور بين الصلاتين بوضوءٍ واحد جمعاً حقيقياً أو صورياً.
وأما كون جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم في وقت واحد للمغرب لم يزل عنه فهذا أيضاً صحيح، وإليه ذهب الشافعي في الجديد فقال: إن للمغرب وقتاً واحداً يتسعُ لفعل الفريضة ونافلتها ، وذهب الجمهور إلى خلاف هذا، ووافقهم محققو الشافعية فرأوا أن للمغرب وقتين، وأن وقتها يمتدُ إلى سقوط الشفق الأحمر وهو وقت دخول العشاء، وصوبه النووي.
ولا ينبغي أن يُستشكل أمر السائل بإعادة الصلاة، فإن مذهب الجمهور أن المعذور لا يصلي بوضوئه إلا صلاةً واحدة وما معها من النوافل، وأنه إذا أراد فعل الصلاة الثانية لزمه الوضوء لها.
ورخص في الجمع بين الصلاتين للمعذور الإمام أحمد رحمه الله، فأمر هذا السائل بإعادة الصلاة موافقٌ لمذهب الجمهور، وموافقٌ لمذهب أحمد أيضاً، لأن صورة الجمع لم تتحقق، وفي المسألة قولٌ ثالث وهو لمالكٍ رحمه الله فمذهبه أن المعذور لا ينتقضُ وضوؤه بخروج الوقت أصلا.
والله أعلم.