الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس فيما ذكرت إشكال بحمد الله فإن حديث: إنما الاعمال بالنيات نص واضح على اشتراط النية في صحة العبادة، والمسألتان المذكورتان مختلف فيهما بين أهل العلم، والراجح عندنا أن التردد في الفطر لا يفسد به الصوم فإن قال الرجل في نفسه أفطر أو لا أفطر لم يكن مفطرا بذلك حتى يعزم عزما جازما على الفطر، وذلك لأن الأصل صحة نيته واستصحاب حكمها فلا يزول يقين النية إلا بيقين فسخها لأن القاعدة أن اليقين لا يزول بالشك، وقد يستدل لهذا بالأحاديث التي ذكرتها كتجاوزه عز وجل لهذه الأمة عما حدثت به أنفسها، وأما العزم على الفطر فالراجح عندنا أنه من المفطرات لأن فاعله قد نقض نيته بذلك ولم يستصحب حكم النية بل خلى جزء من النهار عن استصحاب حقيقتها أو حكمها فلم يصر بذلك صائما الصيام المأمور به شرعا، والأحاديث المذكورة لا تشكل على هذا المذهب بل قد دلت السنة الصحيحة على أن الإنسان يأثم إذا نوى المعصية نية جازمة كما ثبت في الصحيح من حديث أبي بكرة رضي الله عنه: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه.
وفي حديث ابن كبشة الأنماري عند الترمذي: إنما الدنيا لأربعة نفر.. وذكر منهم رجلا لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه بعمله، قال صلى الله عليه وسلم فهو بنيته، فهما في الوزر سواء.
فدلت هذه النصوص وغيرها على أن العزم على المعصية عزما جازما لا يستوي مع الهم بها أو التردد في فعلها فافترق الأمران وظهر بوضوح رجحان ما نفتي به في هذه المسألة من أن التردد في النية لا يفسد الصوم وأن العزم الجازم على الفطر يفسده.
والله أعلم.