الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحق الوالد عليك عظيم، وبره والإحسان إليه خصوصا بعد بلوغه هذه السن من أعظم الواجبات وأجل القربات التي توصلك لرضوان رب العالمين، والأصل أن أحد الوالدين أو كلاهما إذا بلغا هذه السن فإنهما يكونان في رعاية أولادهما وكنفهما لا أن يتخلصوا منهما ومن حقوقهما بوضعهما في دار للمسنين ونحو ذلك، ولذا قال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23، 24} فتأمل في قوله سبحانه: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا تعلم أن من البر أن يكون أبوك عندك في بيتك لا في دار المسنين.
قال البيضاوي في تفسيره: ومعنى عندك أن يكونا في كنفك وكفالتك. انتهى
وعليه فإن لم تستطع أن تأتي بأبيك لتسكنه معك في الشقة لكونها ملكا لأمك، ولم يكن هناك إخوة لك يستطيعون رعايته في مكانه، فانتقل أنت للإقامة معه إن كان له مكان يقيم فيه، وإلا فمن لأبيك إذا مرض فجأة أو نزلت به نازلة.
فإن تعسر هذا عليك فيمكنك حينئذ أن تستأجر له من يقوم على رعايته وهو مكانه في بيته فهذا أولى من دار المسنين، لأنه لا يخفى عليك أن أحدا لا يحب أن يضعه أبناؤه في دار للمسنين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إليه. رواه مسلم.
قال النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاس الَّذِي يَجِب أَنْ يُؤْتَى إِلَيْه هَذَا مِنْ جَوَامِع كَلِمِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَدِيع حِكَمه، وَهَذِهِ قَاعِدَة مُهِمَّة فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاء بِهَا، وَأَنَّ الْإِنْسَان يَلْزَم أَلَّا يَفْعَل مَعَ النَّاس إِلَّا مَا يُحِبّ أَنْ يَفْعَلُوهُ مَعَهُ. اهـ
ولكن إذا وافق أبوك على الإقامة في دار المسنين وكان هذا بمحض إرادته لا بسبب إهماله وتضييعه من قبل أبنائه، فلا بأس حينئذ بذلك مع دوام المتابعة والرعاية المادية والمعنوية له.
والله أعلم.