الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن العين المؤجرة أمانة في يد المستأجر، والأمين لا يضمن إلا في حالة التعدي والتفريط... والتعدي هو مجاوزة ما ينبغي الاقتصار عليه شرعاً أو عادة أو عرفاً، والتفريط هو ما يعد في عرف الناس تهاوناً في الحفظ والصون.
فهذا هو الأصل المعروف ومع هذا فثمت أمور أخرى توجب الضمان على الأمين مثل تطوع الأمين بالتزام الضمان بعد العقد ومثل ذلك المصلحة كمصلحة تضمين الصناع، كماقال الشاطبي: إن الخلفاء الراشدين قضوا بتضمين الصناع قال علي رضي الله عنه: لا يصلح الناس إلا ذاك ووجه المصلحة فيه أن الناس لهم حاجة إلى الصناع وهم يغيبون عن الأمتعة في غالب الأحوال والأغلب عليهم التفريط وترك الحفظ فلو لم يثبت تضمينهم مع مسيس الحاجة إلى استعمالهم لأفضى ذلك إلى أحد أمرين إما إلى ترك الاستصناع بالكلية.. وإما أن يعملوا ولا يضمنوا ذلك بدعواهم الهلاك والضياع فتضيع الأموال ويقل الاحتراز.. انتهى.
ومن أسباب تضمين الأمين التهمة.. ومعناها غلبة الاحتمال ورجحان الظن بشهادة العرف في كذب إدعاء الأمين هلاك الأمانة بدون تعد أو تفريط من قبله.. ومنها اشتراط الضمان على الأمين، وهذا محل خلاف عند العلماء ، فالجمهور على أن اشتراط الضمان على الأمين باطل لمنافاته لمقتضى العقد وقالت طائفة إنه شرط صحيح.. وهو قول قتادة و عثمان البتي و داود الظاهري ورواية عن أحمد ، وانتصر لهذا القول الشوكاني ، جاء في المغني: وعن أحمد أنه سئُل عن شرط ضمان ما لا يجب ضمانه هل يصيره الشرط مضموناً فقال المسلمون على شروطهم.. انتهى.
فإذا تقرر هذا فإنه يجوز لمكاتب تأجير السيارات اشتراط ضمانها على المستأجر لعدة اعتبارات منها فساد الأمانة في هذا الزمان وصعوبة إثبات التعدي والتفريط من عدمها لأن السيارة يغيب بها المستأجر ويصعب في أحيان كثيرة إثبات تعديه وتفريطه، وإذا جاز تضمين الأمين بالتهمة كما هو عند المالكية في المشهور عنهم، فلأن يضمن بالشرط أولى لأن غالب الاشتراطات تكون للتهمة أصلاً، ثم إن المصلحة وصيانة أموال الناس اليوم تقتضي هذا الاشتراط.
وحيث قلنا بجواز تضمين مستأجر السيارة فإنه لا يضمن إلا المتلفات فيضمن مثل التالف إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل، وأما تضمينه أجرة المدة التي تبقى فيها السيارة في الورشة لإصلاحها فلا يصح.. لأن الإجارة تنفسخ بتلف العين المستأجرة سواء كان تلفها من قبل المستأجر أو تلفت بنفسها.
والله أعلم.
.