الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعبد مكلف بالاستقامة على طاعة الله والبعد عن الذنوب، ومكلف كذلك بالتوبة والإنابة إلى ربه لاسيما إذا حصل منه تقصير أو اقتراف للمعاصي، فقد ذكر الله من صفات المتقين أنهم إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، وأنهم إذا وقعوا في الذنب تابوا واستغفروا، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}، وقد وعد سبحانه وتعالى بالرحمة والغفران من تاب واستغفر بعد الذنب، فقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54}، وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110}.
فباب التوبة مفتوح بفضل الله تعالى لكل إنسان، ما لم تطلع الشمس من مغربها ، أو يعاين الموت ويتيقنه، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} وقال صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا. رواه مسلم. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ. رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
فعليك ـ أخي الكريم ـ أن تنشغل بتحصيل توبة نصوح جامعة لشروط قبولها، من الندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها ، والعزم الصادق على عدم العودة إليها أبدا، مع رد المظالم إلى أهلها إن كان هناك مظالم.
وعليك أخي الكريم أن تقوي إيمانك ورغبتك في الاستقامة بكثرة المطالعة في كتب الترغيب والترهيب والرقائق، وتدبر القرآن وتتفكر من خلاله في أمور الآخرة ومصير الطائعين والعصاة، وما فيه من الحديث عن مراقبة الله وجبروته وانتقامه ممن عصاه، وعليك بالصحبة الصالحة التي تعينك على الثبات والاستقامة، فالمرء على دين خليله كما في الحديث، وعليك أن تستعين بالدعاء في الصلاة وأوقات الاستجابة.
وقد سبق بيان وسائل تقوية الإيمان وتحقيق الاستقامة، وذكر نصائح لاجتناب المعاصي، وبيان شروط التوبة ودلائل قبولها وما ينبغي فعله عندها ، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 1208، 93700، 5450، 75958، 29785 .
وراجع في موضوع المراهقة وما يناسبها من توجيهات: الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16541، 67272، 114548 .
ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعز الإسلام وينصر المسلمين ويصلح حالهم أجمعين.
والله أعلم.