اصبر على ما أصابك في سبيل توبتك

12-2-2009 | إسلام ويب

السؤال:
لدي مشكلة متعددة الأطراف فلدي ذنوب عديدة دون القتل، والحمد لله، وكنت أحسب نفسي مؤمنا ولكنه يرتكب ذنوبا مثل باقي الناس، ولكني وجدت أني أخون الأمانة وصفات كثيرة من النظر للمحرمات والاقتراب منها والتحرش حتى وقعت في مشكلة من هذا النوع، وافتضح أمري كأن الشيطان كان يتربص بي ولا أعلم أو أعلم ولكني نسيت ذلك. المهم أنني تركت معظم الذنوب بفضل الله عز وجل وحججت واعتمرت، وأسأل الله أن يتقبل توبتي، ولكن مشكلتي تكمن في أنني مازلت مدمن رؤية صور محرمة، وكلما فعلت رجعت وندمت ولكن الندم والذنب مستمران معي!! والثانية أنني مازلت أشعر بغصة شديدة في نفسي كلما تذكرت ذنوبي -وتقريبا لا أنساها--وأندم عليها، والثالثة أنني بفضل الله تزوجت وأخشي أن يعاقبني الله على ذنوبي في أسرتي وثالثا أشعر بأنني غير موفق في حياتي. فهل الأعمال الصالحة مثل الصوم والصلاة والتبرع والحج والعمرة التي قمت بها أطمئن أنها كفرت ذنوبي وأبدأ صفحة جديدة مع الله--وأظنك ستقول لي هذا--ولكن الشيطان أو نفسي دائما ما تقول لي ذنوبك كبيرة ولن يغفر لك ولو حججت وفعلت كذا وكذا، وتقول لي الناس يعرفونك على حقيقتك ولن ينسوا ماضيك أبدا، وهذا الشيء يؤرقني جدا، الناس من حولي والله من فوقي حتى أن الناس لا يردون علي السلام في الطرقات. فهل هذه الطريقة المثلى لمعاملة التائبين؟ ألا يعينون الشيطان علي بمخاصمتي ومقاطعتي خصوصا وأني لست مصرا على الذنب؟ أسأل الله أن يعينك على إجابة هذا السؤال الذي أرد عليه بعقلي وقلبي يرفضه ويمزقني. وجزاك الله كل الخير واعلم أنه من فرج كربة --مثل كربتي--فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة وهي عظيمة، فلا تتوانى في توجيهي وسأعمل إن شاء الله بما تقول وأجري على الله وإن ظلمني من حولي والحمد لله رب العالمين؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله العظيم أن يتوب عليك، وأن يعينك على الاستقامة، واعلم أخي السائل أن من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، فدع عنك رأي الناس فيك ، وهجرانهم وسوء معاملتهم لك، وأقبل على ربك إقبالا حسنا يتقبلك قبولا حسنا، فإن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين، واصبر على ما أصابك في سبيل توبتك ورجوعك إلى الله، فلا بد أن تمتحن ليرى الله صدقك في التوبة وعزيمتك على الثبات والاجتهاد في طاعته، وليكن تذكرك لذنوبك وخطاياك داعيا لك إلى إتباع السيئات بالحسنات والازدياد من الطاعات، وإياك أن يكون ذلك مدخلا للشيطان ليوقعك في اليأس من رحمة الله تعالى، فقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ {الزمر:53-55} فالتوبة والإنابة إلى الله واتباع شرعه والاستقامة على أمره، والصبر والثبات على ذلك وعدم التقهقر، هي الحل لما تعانيه. ولتجمع ـ أخي الكريم ـ بين الخوف من ذنوبك والرجاء في رحمة الله، كما بينا في الفتوى رقم: 25072.

وقد سبق لنا بيان شرط التوبة والحض عليها وما يتعلق بكلام السائل الكريم، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10747، 17160، 56129، 3184، 5450.

كما سبق أن بينا ما يتعلق بالنظر للصور المحرمة ومحاذيره وعواقبه، في كثير من الفتاوى، ومنها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65677، 1256، 2862.

وقد يكون ما تشتكيه من الشعور بعدم التوفيق في حياتك أثرا من آثار هذه المعصية أو غيرها من المعاصي، فإن اقتراف الفواحش تضيق على المرء معيشته، كما سبق بيانه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4188، 101296، 63843.

وأما بالنسبة لخوفك من العقوبة على سالف ذنوبك في أسرتك، فهذا إنما يمحى بالتوبة الصادقة، فمن تاب تاب الله عليه، فلا يلزم من وقوع شخص في فاحشة أن يقع أهله في مثلها، فقد قال تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية : 62381، 62381، 63847.

وأما بالنسبة لسوء معاملة الناس لك وتذكرهم لماضيك فهذا مما يخالفون به أمر الشرع، فقد قال الله تعالى في حق التائب من الكفر : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {التوبة:11} فما بالك بالتائب من الذنوب والمعاصي !!

ثم إن جواز هجر أهل المعاصي الذين لم يتوبوا ليس على إطلاقه، بل له ضوابط لا بد من مراعاتها، كما سبق أن بينا في الفتاوى: 106008، 31974، 58252، 14139.

والله أعلم.

www.islamweb.net