الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك أولاً إلى أن الواجب على كل مسلم أن يحترم أهل العلم والفضل، وأن يعرف لهم قدرهم ومنـزلتهم التي أكرمهم الله بها، وأن يمسك لسانه عن الطعـن فيهم، وقد روى أحمد والحاكم عن عبادة بن الصامت قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه. والحديث حسنه الألباني. ومع هذا فإن العلماء غير معصومين من الخطأ، ولكنهم مأجورون على اجتهادهم ولو أداهم إلى الخطأ، فعن عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. متفق عليه. فهذا الحديث صريح في أن الحاكم يخطئ ولكنه معذور في خطئه. وراجع في ذلك فتاوانا : 6506 ، 33346 ، 76964 . وننبه أيضاً على أن الفتوى من الأمور الجليلة الخطيرة التي لها منزلة عظيمة في الدين، و من فضل الله وكرمه أن أصول الدين، وقطعيات الإسلام، وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع، لم تختلف فيها الأمة، فتلك المسائل ليست محلاً للاجتهاد أصلاً، ولكن شاء الله أن يختلف الناس في أفهامهم ومداركهم، وجعل سبحانه كثيراً من أدلة الشريعة محتملاً أكثر من دلالة، فنتيجة لذلك وقع الخلاف بين علماء المسلمين في المسائل الفرعية الاجتهادية، لكنهم ما تعمدوا خلاف نصوص الشرع، فدين الله في قلوبهم أعظم وأجل من أن يقدموا عليه رأي أحد من الناس، أو يعارضوه برأي، أو قياس. و المسلم إذا وقف على خلاف لأهل العلم في مسألة من المسائل، وكان من طلبة العلم وله ملكة يستطيع بها المقارنة بين أقوال العلماء والنظر في أدلتهم ووجوه استدلالهم والترجيح بينها فعليه أن يختار من أقوالهم ما يظهر له أنه أقرب إلى الصواب فيتعبد الله تعالى به، وأما إن كان عامياً ولا يستطيع النظر في الأدلة والترجيح بين الأقوال فعليه أن يقلد من يرى أنه أكثر علماً وورعاً. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 105068 . أما بخصوص ما تسأل عنه: فلا نرى أنه يجوز لك الاستمرار في الإقامة في هذه البلاد، فإن الإقامة في ديار الكفر غير جائزة إلا لضرورة أو حاجة ملحة بشرط أن يتمكن من أقام في هذه البلاد من القيام بأمور دينه وشعائره، فالإقامة ببلاد الكفار من الأسباب الموجبة لفساد الدين وضياع الخلق، ومعلومٌ ما في هذه البلاد من انحلال وفساد وضياع إلى أبعد الحدود وأقصى الغايات، وضرر الإقامة بهذه البلاد أكبر من نفعها وذلك لما فيها من مجاورة الكافرين، وكثرة مشاهدة المنكرات، وعدم استطاعة تغييرها. وقد حذر منها فيما رواه أبو داود عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. وصححه الألباني. ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 7930 ، 114297 . وما ذكرته من ظروفك لا نرى فيه مسوغاً للإقامة بتلك البلاد، فالذي ننصحك به ترك الإقامة بهذه البلاد والسعي في إقناع زوجتك بشتى الطرق لذلك، فإن أبت ترك هذه البلاد فلا نرى حرجاً في طلاقها فإن السلامة في الدين لا يعدلها شيء، والواجب عليك في حالة طلاقها هو ما يوجبه الشرع لا القانون وراجع في بيانه فتوانا رقم: 112055 ، وعليك أن تسعى بكل ما يمكنك في أخذ ابنتك لتعيش معك في بلدك ولا تتركها في هذه البلاد الفاسدة ، علماً بأنه يجب عليك النفقة على ابنتك وعليك السعي في إيصال النفقة إليها قدر الإمكان. ويجب عليك المبادرة إلى التوبة مما وقعت فيه من محرمات من قرض ربوي أو تعامل ربوي أو غير ذلك من المحرمات، والمال المكتسب من مباشرة عمل محرم أو الإعانة عليه يجب التخلص منه بإنفاقه في مصالح المسلمين أو التصدق على الفقراء والمساكين. أما إذا كان أصل العمل الذي تعمل به مباحا ـ كما ذكرت في سؤالك ـ ولكن يقوم أصحاب الشركة بالاقتراض بالربا أو غير ذلك من المحرمات، فلا حرج في الانتفاع بالراتب الذي أخذته. أما البيت ذاته فهو مباح لك على كل حال ما دمت حصلت عليه بعقد شراء شرعي، وراجع الفتوى رقم: 24426 . نسأل الله عز وجل أن ييسر لك أمرك ويصلح لك زوجك . والله أعلم. |