الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحديث صحيح وقد رواه البخاري في الصحيح، وقد كان معمولا بمقتضى هذا الحديث في صدر الإسلام، ومثله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان، فصرخ به، فخرج يجر إزاره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعجلنا الرجل، فقال عتبان: يا رسول الله، أرأيت الرجل يعجل عن امرأته، ولم يمن ماذا عليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الماء من الماء. رواه مسلم، أي لا يجب عليه الغسل حتى ينزل منه المني. وهذا الحكم نسخ بما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب عليه الغسل. زاد مسلم: وإن لم ينزل.
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل.
وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله أن الأمة مجمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزال، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال ثم رجع بعضهم، وانعقد الإجماع بعد الآخرين. قال النووي في المجموع: مذهبنا أن الإيلاج في فرج المرأة ... يوجب الغسل وإن لم ينزل، وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وقال داود: لا يجب ما لم ينزل. وبه قال عثمان بن عفان وعلي وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم ثم منهم من رجع عنه إلى موافقة الجمهور، ومنهم من لم يرجع. واحتج لمن لم يوجب مطلقا بما روى البخاري في صحيحه عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه سأل عثمان بن عفان عن الرجل يجامع امرأته ولم يمن. قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره. وقال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال زيد: فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك. وعن أبي أيوب الأنصاري أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي بن كعب أنه قال: يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل ؟ قال: يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي. قال البخاري: الغسل أحوط وذاك الآخر. إنما بينا اختلافهم يعني أن الغسل آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصدنا بيان اختلاف الصحابة، مع أن آخر الأمرين الغسل، هذا كله في صحيح البخاري، وبعضه في مسلم وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار فأرسل إليه فخرج ورأسه يقطر، فقال: لعلنا أعجلناك؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أعجلت أو أقحطت فلا غسل عليك وعليك الوضوء. رواه البخاري ومسلم. ومعنى أعجلت أو أقحطت، أي جامعت ولم تنزل. وروي أقحطت بضم الهمزة وبفتحها وعن أبي سعيد أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الماء من الماء. رواه مسلم. ومعناه لا يجب الغسل بالماء إلا من إنزال الماء الدافق، وهو المني. واحتج أصحابنا والجمهور بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل. رواه مسلم، وفي الرواية الأخرى: إذا التقى الختانان وجب الغسل. وهو صحيح كما سبق، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: وإن لم ينزل...... وعن عائشة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل. رواه مسلم في صحيحه، وفي الباب أحاديث كثيرة صحيحة.... والجواب عن الأحاديث التي احتجوا بها أنها منسوخة. هكذا قاله الجمهور. وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما جواب آخر، وهو أن معنى الماء من الماء، أي لا يجب الغسل بالرؤية في النوم إلا أن ينزل. وأما الآثار التي عن الصحابة رضي الله عنهم ; فقالوها قبل أن يبلغهم النسخ، ودليل النسخ أنهم اختلفوا في ذلك، فأرسلوا إلى عائشة رضي الله عنها فأخبرتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس بين شعبها الأربع وجهدها وجب الغسل، فرجع إلى قولها من خالف. وعن سهل بن سعد الساعدي قال: حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يفتون إنما الماء من الماء. كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد. وفي رواية: ثم أمرنا. حديث صحيح رواه الدارمي وأبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة. قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح. وعن محمود بن لبيد قال: سألت زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل؟ قال: يغتسل، فقلت: إن أبيا كان لا يرى الغسل فقال زيد: إن أبيا نزع عن ذلك قبل أن يموت. هذا صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح، قوله: نزع أي رجع، ومقصودي بذكر هذه الأدلة بيان أحاديث المسألة والجمع بينها، وإلا فالمسألة اليوم مجمع عليها، ومخالفة داود لا تقدح في الإجماع عند الجمهور.اهـ.
والله أعلم.