الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما يدور في أنفسكم من هذه الوساوس، إنما هو من الشيطان الذي يريد أن يحزن الذين آمنوا، وإنما يفتح العبد على نفسه باب وسوسة الشيطان بمثل هذه اللو، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك فقال: إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان رواه مسلم.
قال القاضي عياض في (مشارق الأنوار): أي أن قولها واعتياد معناها يظهر الطعن على القدر ويفضي بالعبد إلى ترك الرضا بما أراده الله؛ لأن القدر إذا ظهر بما يكره العبد قال: لو فعلت كذا لم يكن كذا. وقد مر في علم الله أنه لا يفعل إلا ما فعل ولا يكون إلا الذي كان اهـ.
وقال النووي: (لو) يلقي في القلب معارضة القدر ويوسوس به الشيطان اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين): الإنسان إذا بذل ما يستطيع بذله وأخلفت الأمور فحينئذ يفوض الأمر إلى الله لأنه فعل ما يقدر عليه، ولهذا قال: (إن أصابك شيء) يعني بعد بذل الجهد والاستعانة بالله عز وجل، فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا. وجزى الله عنا نبينا خير الجزاء فقد بين الحكمة من ذلك، حيث قال: (فإن لو تفتح عمل الشيطان) أي تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم والهموم، حتى تقول: لو أني فعلت لكان كذا، فلا تقل هكذا، والأمر انتهى ولا يمكن أن يتغير عما وقع، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت. اهـ.
فارفعوا ـ رحمكم الله ـ هذا العناء عن أنفسكم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها. رواه أبو نعيم، وصححه الألباني.
ولذلك لما ذكر الله كلام من قال في غزوة أحد: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا {آل عمران:154} رد عليهم فقال: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {آل عمران: 154} فأحسن الله عزاءكم وألهمكم رشدكم وصبركم على فقيدكم.
والله أعلم.