الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن حكم حمد العاطس لله تعالى: الاستحباب والندب، وتشميته واجب على كل من سمعه، وقيل: واجب على الكفاية. جاء في صحيح البخاري: .... فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله. وفي الصحيحين: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله .. الحديث.
كما قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة مع شرحه: ومن عطس خَارِجَ الصَّلَاةِ فليقل ندبا الحمد الله، وعلى من سمعه يحمد الله أن يقول له يرحمك الله، إنْ كَانَ مُسْلِمًا وُجُوبًا عَلَى الْكِفَايَةِ، وقيل : إنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ لحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ ..حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ يَقُولُ لَهُ : يَرْحَمُك اللَّهُ، ويرد العاطس عليه يغفر الله لنا ولكم، أو يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم. اهـ ، وقال النووي في روضة الطالبين: وأما العاطس فيسن له أن يقول الحمد لله. اهـ
والظاهر -والله أعلم- أنه من هدي الأنبياء السابقين، فقد روى النسائي وعبد الرزاق وغيرهما بألفاظ متقاربة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا له فجلس فعطس فقال الحمد لله، فقال له ربه يرحمك الله .. ائت أولئك الملائكة فقل السلام عليكم فأتاهم فقال السلام عليكم فقالوا له وعليك السلام ورحمة الله ثم رجع إلى ربه تعالى فقال له هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير بلفظ: لما نفخ في آدم الروح مارت وطارت فصارت في رأسه فعطس فقال الحمد لله رب العالمين فقال الله يرحمك الله.
وعلى كل حال فمشروعيته متفق عليها بين أهل العلم، وإن اختلفت درجات هذه المشروعية عندهم.
وأما ثبوت هذا العمل (حمد العاطس وتشميته ) عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك فيه ؛ فقد تناقلته الأجيال عمليا خلفا عن سلف، وقد وردت فيه أحاديث ويمكن أن تصل إلى درجة التواتر المعنوي.
ولم نقف على كتاب خاص بهذا الموضوع ، ولكننا قد أصدرنا عددا من الفتاوى في هذا الموضوع وبإمكانك أن تطلع على بعضها تحت الأرقام التالية وما أحيل عليه فيها: 51339 ، 49098 ، 115407 ، 9072 .
وننصحك أن تصرف همتك في تحقيق يفيد أكثر، فإن أغلب هذه التفاصيل لا ينبني على معرفتها عمل، وتكفي معرفة مشروعية هذا الأمر، ولا يحتاج إلى أن يكون الاجماع حاصلا على كل تفاصيله، ولا أن يكون ورد فيه خبر متواتر.
والله أعلم.