الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا تعارض بين كون المؤمن مأمورا بأن يكون موقنا بالإجابة عند دعائه، وبين كون الدعاء قد يرد أو تؤخر إجابته، وبين كونه سبحانه حيي لا يرد يدي العبد صفراً، أما كون المسلم مأمورا بأن يدعو الله وهو موقن بالإجابة، فلما قال صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. رواه الترمذي وحسنه الألباني. وقد ذكرنا لماذا كان اليقين شرطا لاستجابة الدعاء في الفتوى رقم: 9081 فراجعها.
وأما كون الدعاء قد يرد ولو مع اليقين من العبد بأن الله سيستجيبه، فهذا قد يكون لوجود مانع من استجابة الدعاء، كعدم تحري الحلال في الأكل أو الشرب أو اللبس، أو الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، أو للاستعجال في الدعاء، وهذا مذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. رواه مسلم. وقد فصلنا القول أيضا في ذلك في الفتوى رقم: 56637.
وأما كون الله عز وجل يستحي أن يرد العبد خالي اليدين فهو حق أيضا إذا استجمع الدعاء شروط الاستجابة، وقد ذكرناها في الفتوى رقم: 11571. وانتفت عنه موانع الاستجابة كالتي ذكرناها سابقا، وكما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له. رواه مسلم. قال النووي في شرح الحديث: قوله: فأنى يستجاب لذلك.. أي من أين يستجاب لمن هذه صفته؟ وكيف يستجاب له. اهـ.
فهذا يبين أن عدم الاستجابة إنما تكون لأن الدعاء لا تتوفر فيه صفات وشروط الدعاء المستجاب، لا أن الله سبحانه رد اليدين صفرا مع وجود شروط الدعاء المستجاب، فضلا عن أن العبد وإن لم ير ما دعا به أمامه فهو غير متيقن أن الله لم يستجب له، لأن الاستجابة تكون بأحد ثلاثة أمور مذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده جيد.
وكذلك القول المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا ألهم الدعاء... إلخ، فهو في معنى قوله تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60)، والمقصود بهذا كله الدعاء المستجمع لشروط الاستجابة، فكل من دعا مع استجماع الدعاء لشروط الإجابة فستحصل له الإجابة بمفهوم الاستجابة الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم وهي إحدى ثلاث؛ كما في الحديث السابق.
وبالتالي وبناء على ذلك، فإن الإشكال أتى للسائل من حصره الاستجابة في تحقق ما دعا به فقط، وليس الأمر كذلك، بل الاستجابة أمر أشمل من ذلك، وكذلك في ظنه أنه يعرف أن الدعاء لم يستجب، وهذا لا سبيل للعبد إلى معرفته، فقد يكون صرف عنه من السوء ما لا يعلمه نتيجة دعائه، وقد يكون أخر للآخرة وهذا علم غيب، وتأخيره للآخرة ليس عدم استجابة بل هو مما كوفيء به على دعائه.
ثم ننصح السائل بألا تحدثه نفسه بأن الدعاء لن يستجاب؛ لأن هذا من عدم اليقين عند الدعاء، وهذا مما يمنع الاستجابة ، وكذلك هذا من وسوسة الشيطان لكي يصرفه عن الإلحاح في الدعاء، وهذا من الاستعجال الذي سبق ذكره في الحديث، وهو من موانع الاستجابة أيضا.
والله أعلم.