الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهاهنا مسألتان لا بُد من التفريق بينهما لئلا يحصل الخلطُ، ويقع اللبس أولاً:
رفع الصوت بالذكر بعد الانصراف من الصلاة وهو مختلفٌ في مشروعيته بين أهل العلم، فاستحبه طائفةٌ من العلماء، وذهب الجمهور إلى أن المشروع الإسرار بالذكر، ولا يُستحب رفع الصوت به بعد الصلاة، وهو المفتى به عندنا، وانظر للتفصيل الفتوى رقم: 7444،والفتوى رقم: 30402.
وأما الجهرُ بأذكار الصلاة أحياناً بقصد التعليم فلا حرج فيه، وعليه حمل الشافعي رحمه الله الآثار الدالة على مشروعية الجهر بالذكر، ومن رجح الجهر مطلقا، فعنده أن الجهر يُشرعُ بما لا يؤذي المصلين، ويشوش عليهم، قال الشيخ العثيمين رحمه الله:
وإن كان فيهم – أي في المصلين - مسبوق يقضي، فإن كان قريبا منك بحيث تشوش عليه فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه لئلا تلبس عليه صلاته. انتهى.
ثانياً: كون هذا الذكر جماعياً بأن يردده المصلون في صوت واحد، أو يقوم بعضهم كالمؤذن أو الإمام، بتلاوة بعض الأذكار ثم يأمرهم بترديد بعضها فيفعلون فإذا أمرهم بالتسبيح سبحوا، أو بالتحميد حمدوا وهكذا، وكل ذلك مما لا أصل له في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ،ولم يفعله لا مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم ولا ثبت من فعل أحد من أصحابه، ولو كان خيراً لسبقونا إليه إذ هم أحرص الناس على الخير.
وما أحسن قول الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند كلامه على قول المشركين لو كان خيرا ما سبقونا إليه قال رحمه الله: وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم هو بدعة، لأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليه. انتهى .
وقال العلامة ابن باز رحمه الله بعدما رجح سنية الجهر بالذكر بعد الصلاة:
أما كونه جماعيّاً بحيث يتحرى كل واحد نطق الآخر من أوله إلى آخره وتقليده في ذلك فهذا لا أصل له، بل هو بدعة، وإنما المشروع أن يذكروا الله جميعا بغير قصد لتلاقي الأصوات بدءاً ونهاية انتهى .
والله أعلم.