الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه الأشياء التي ذكرتها وغيرها ممّا هو من جنس الأرض وليس بتراب، قد وقع الخلاف بين أهل العلم في جواز التيمم بها، والأحوط عدم التيمم بما سوى التراب خروجا من الخلاف، وجواز التيمم بهذه الأشياء ممّا هو من جنس الأرض هو مذهب أبي حنيفة ومالك واختاره جمع من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، وبناء على هذا القول الثاني وهو جواز التيمم بما كان من جنس الأرض فيجوز لك التيمم بالحجر والرمل وغيرها ممّا يقع عليه اسم الصعيد الذي هو وجه الأرض، وأما ما ليس من جنس الأرض فلا يجوز التيمم به، وكذا ما خرج عن اسم الصعيد بدخول الصناعة فيه كما نص على ذلك فقهاء المالكية، ومنه الطوب الأحمر فإنه قد دخلته الصناعة ومن ثم فلا يجوز التيمم به.
جاء في مختصر خليل مع شرحه للدردير: وجص. بكسر أوله وفتحه وهو الحجر الذي إذا شوي صار جيرا- لم يطبخ- أي لم يشو فإن شوي لم يجز التيمم عليه لخروجه بالصنعة عن كونه صعيدا.
وقد حرر العلامة الشنقيطي رحمه الله مسألة ما يتيمم به تحريرا حسنا في أضواء البيان، ورجح جواز التيمم بغير التراب ونحن نسوق طرفا من كلامه للفائدة.
قال رحمه الله في الكلام على قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ. {المائدة 6}. وهو من أقوى حجج المانعين من التيمم بما سوى التراب: اعلم أن لفظة:مِنْ. في هذه الآية الكريمة محتملة، لأن تكون للتبعيض، فيتعين في التيمم التراب الذي له غبار يعلق باليد. ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية، أي مبدأ ذلك المسح كائن من الصعيد الطيب، فلا يتعين ماله غبار، وبالأول قال الشافعي، وأحمد، وبالثاني قال مالك، وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى جميعاً. فإذا علمت ذلك، فاعلم أن في هذه الآية الكريمة إشارة إلى هذا القول الأخير، وذلك في قوله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ. {المائدة: 6] فقوله: مِنْ حَرَجٍ. نكرة في سياق النفي زيدت قبلها مِنْ، والنكرة إذا كانت كذلك، فهي نص في العموم، كما تقرر في الأصول، فالآية تدل على عموم النفي في كل أنواع الحرج، والمناسب لذلك كون مِنْ. لابتداء الغاية، لأن كثيراً من البلاد ليس فيه إلا الرمال أو الجبال، فالتكليف بخصوص ما فيه غبار يعلق باليد، لا يخلو من حرج في الجملة.
ويؤيد هذا ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فليصل. وفي لفظ: فعنده مسجده وطهوره. الحديث.
فهذا نص صحيح صريح في أن من أدركته الصلاة في محل ليس فيه إلا الجبال أو الرمال أن ذلك الصعيد الطيب الذي هو الحجارة، أو الرمل طهور له ومسجد. وبه تعلم أن ما ذكره الزمخشري من تعين كون.مِنْ. للتبعيض غير صحيح.
والصعيد في اللغة: وجه الأرض، كان عليه تراب، أو لم يكن، قاله الخليل، وابن الأعرابي، والزجاج.
قال الزجاج: لا أعلم فيه خلافاً بين أهل اللغة قال الله تعالى: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً. {الكهف:8}. أي أرضاً غليظة لا تنبت شيئا. انتهى.
وبهذا يتبين جواب مسألتك وأن كثيرا من المحققين رجح جواز التيمم بكل ما يقع عليه اسم الصعيد وهو وجه الأرض، وأن الأحوط الاقتصار على التراب خروجا من الخلاف.
والله أعلم.