الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الذي يجده السائل الكريم في نفسه إذا أحسن أداء الخطبة أو كثر عدد الحضور، إما أن يكون استبشاراً بنعمة الله تعالى وفرحاً بفضله وتطلعاً إلى قبوله، ورجاءً في ثوابه دون النظر لحال الناس والشهرة فيهم، والتطلع لثنائهم وعلو المنزلة عندهم، فهذا يذكر في حقه قول النبي صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
وإما أن يكون إعجاباً بالنفس وانشغالاً بالنعمة عن المنعم، أو ميلاً للأسباب الجالبة لثناء الناس وتقديرهم فهذا خطر عظيم وآفة مهلكة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سَمَّعَ سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به. متفق عليه.
قال ابن حجر: قال الخطابي: معناه من عمل عملاً على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه، جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه. وقيل: من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثاً عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة. وقيل: المراد من قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد وكان ذلك جزاءه على عمله ولا يثاب عليه في الآخرة. انتهى.
وهذا لا شك من العجب المذموم الذي هو في الحقيقة استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم، والفرح الحاصل من هذا العجب إنما يكون من حيث إنه كمال ونعمة وخير ورفعة، لا من حيث إنه عطية من الله تعالى ونعمة منه، فيكون فرحه من حيث إنه صفته ومنسوب إليه بأنه له، لا من حيث إنه منسوب إلى الله تعالى بأنه منه، كما قال الغزالي. وقد سبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 32856.
والعجب المذموم يمكن زواله إذا غلب على القلب أن النعمة والكمال ابتداءً وبقاءً إنما هي من فضل الله، إذا شاء سلبه وإذا شاء أعطاه، فكان الفرح بفضله وتوفيقه وهداه، لا بالنعمة ذاتها، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 63817، وليس من هذا النوع ما يحصل للمرء من السرور بما يفعله من الطاعات، ومع ذلك فحال المؤمن دائماً الخوف من النفاق والرياء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 45059. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 52210، 11255.
وعلى أية حال فالإخلاص شرط ضروري لأي عمل دعوي، وحب الظهور والشهرة والإعجاب بالنفس آفات مهلكة، وراجع في ذلك الفتويين: 25568، 6802.
والله أعلم.