الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن الواجب على كل مسلم هو أن يصلي بطهارة صحيحة، وعليه، فإن أمكنك الوضوء ولو بتسخين الماء أو بغسل الأعضاء شيئا فشيئا وستر كل عضو بعد غسله بحيث تأمن الضرر وجب عليك ذلك ولم يجز لك ترك الوضوء، وإذا كنت تخشى حصول الضرر ولا سبيل لك إلى دفعه بشيء ممّا ذكرناه أو نحوه لم يجز لك ترك الطهارة بالمرة، وإنما تنتقل من الوضوء إلى التيمم فتضرب الصعيد ضربة تمسح بها وجهك وكفيك، وهذا مذهب جمهور أهل العلم.
قال ابن قدامة في المغني: وإن خاف من شدة البرد وأمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضوا عضوا كلما غسل شيئا ستره لزمه ذلك، وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثرأهل العلم. وقال عطاء والحسن: يغتسل وإن مات لم يجعل الله له عذرا، ومقتضى قول ابن مسعود أنه لا يتيمم فإنه قال: لو رخصنا لهم في هذا لأوشك أحدهم إذا برد عليه الماء أن يتيمم ويدعه، ولنا قول الله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم. وقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.
وروى أبو داود و أبو بكر الخلال بإسنادهما عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله عز و جل يقول: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يقل شيئا، وسكوت النبي صلى الله عليه و سلم يدل على الجواز لأنه لا يقر على الخطإ، ولأنه خائف على نفسه فأبيح له التيمم كالجريح والمريض وكما لو خاف على نفسه عطشا أو لصا أو سبعا في طلب الماء. انتهى.
وهذا من يسر الشريعة وتخفيفها عن المكلفين ورفعها الحرج عنهم، مصداق قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج 78}.
والله أعلم.