الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنك غير محاسب على تلك الأفكار طالما كنت كارهاً لها، لما ورد في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسالوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. والمراد بصريح الإيمان كراهة ذلك وبغضه أي بغض وكراهة هذه الأفكار والوساوس، وإنما يحاسب الإنسان على تلك الأفكار إذا آمن بها وعقد قلبه عليها واستقرت فيه، قال تعالى: لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ. {البقرة:225}. والآية وإن وردت في الأيمان (بالفتح) فالاستدلال بها في الإيمان (بالكسر) واضح، للاشتراك في المعنى إذ مدار الحقيقة فيهما على عمل القلب...
وقال النووي: في الآية دليل على المذهب الصحيح أن أفعال القلوب يؤاخذ بها إن استقرت، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل. فمحمول على ما إذا لم تستقر. قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يستدل لذلك من عموم قوله (أو تعمل) لأن الاعتقاد هو عمل القلب. انتهى.
ثم أعلم أن هذه الأفكار من وساوس الشيطان، لما في سنن أبي داود ومسند أحمد عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. صححه الألباني. (الحمم: الفحم)
وسبيل علاج ذلك إنما يكون بالتلهي عن تلك الأفكار والتشاغل عنها وعدم الاسترسال معها، مع الابتهال والتضرع إلى الله جل وعلا أن يصرفها عنك، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 19691 . وراجع للفائدة في ذلك الفتويين: 39863، 40357.
فاستعن بالله وانفض عنك تلك الوساوس وألقها وراء ظهرك، وانشغل بما ينفعك في أمر دينك ودنياك.
والله أعلم.