الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في عظم فضل الصدقة وأنها من أعظم القربات، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جدا، وإذا أريد كون الصدقة من الجهاد بهذا المعنى الأعم وهو ما فيها من مجاهدة النفس ومخالفة الهوى فيصح حينئذ أنها من الجهاد، فعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه. رواه ابن النجار وصححه الألباني.
قال المناوي ـ رحمه الله:ولعمري إن جهاد النفس لشديد، بل لا شيء أشد منه فإنها محبوبة وما تدعو إليه محبوب فكيف إذا دعيت إلى محبوب؟ فإذا عكس الحال وخولف المحبوب اشتد الجهاد بخلاف جهاد أعداءالدين والدنيا.
ولهذا قال الغزالي: وأشد أنواع الجهاد الصبر على مفارقة ما هواه الإنسان وألفه، إذ العادة طبيعة خامسة فإذا انضافت إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند الله ولا يقوى باعث الدين على قمعهما. انتهى.
ولكن لفظ الجهاد إذا أطلق ينصرف لجهاد الكفار باليد والقلب واللسان والمال، فإنفاق المال في هذا الوجه جهاد بالمعنى المشروع، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ {الصف: 10-11}.
قال ابن قاسم في حاشية الروض: فهو أي الجهاد لغة: بذل الطاقة والوسع، وغلب في عرفهم على جهاد الكفار وهو دعوتهم إلى الدين الحق وقتالهم إن لم يقبلوا، وجنس الجهاد كما قال ابن القيم وغيره فرض عين، إما بالقلب، وإما باللسان وإما بالمال، وإما باليد، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع.
والله أعلم.