الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن أختك التي صدر منها هذا الكلام البذيء في حق أبيها قد وقعت في العقوق وسوء الخلق والفسق وقلة الدين ـ والعياذ بالله تعالى ـ فمثل هذا الكلام الجارح لا يجوز أن يخاطب به أحد من المسلمين ـ فضلا عن الأب الذي يجب عليها الإحسان إليه وتوقيره وبره ـ فقد أمر الله تعالى بإحسان صحبة الأبوين وبرهما ـ ولو كانا كافرين ـ حيث قال تعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.
ونهي عن مخاطبتهما بأي لفظ يدل على الإساءة، حيث قال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا{الإسراء:23}.
وإذا كانت كلمة أف ونحوها مما يدل على التضجر محرمة في حق الأبوين فمن باب أحرى ما صدر من أختك هذه ـ والعياذ بالله تعالى ـ كما أن العقوق من كبائر الذنوب، ففي الصحيحين وغيرهما: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، أو سئل عن الكبائر، فقال: الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين.
وراجعي المزيد في الفتوى رقم: 95960.
وأختك الثانية ـ أيضا ـ قد عقت أباها وارتكبت معصية عظيمة حين أمرت والدها بطلاق أمها فكانت السبب في ذلك.
وعليك نصح أخواتك وإخوتك بضرورة بر الأب وخطورة عقوقه والتأكيد على أن وجود خلاف بينه مع الأم لا يوجب عقوقه ولا يسقط حقه في الإحسان والبر.
وبخصوص الطلاق الذي تلفظ به والدك، فإن كان يعي ما يقول فطلاقه نافذ وتحرم عليه زوجته، لأنك ذكرت أن هذه الطلقة الثالثة فتكراره للطلاق لم يصادف محلا، فلا تحل له زوجته ـ إذن ـ حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يطلقها بعد الدخول، ولو كان هذه هو الطلاق الأول لكان الحكم أيضا عند جماهير العلماء هو تحريمها عليه، لما ذكرته من تكراره الطلاق، أما إن كان غضبه شديدا بحيث صار لا يعي ما يقول فهو في حكم المجنون ولا يلزمه شيء.
والله أعلم.