الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فان القراءة على الماء صفتها أن يقرب الراقي فمه من الإناء الذي فيه الماء ثم يقرأ ما تيسر من القرآن ثم ينفث على الماء.
قال ابن القيم في المدارج : كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني وذلك في أثناء الطواف وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط. جربت ذلك مرارا عديدة وكنت آخذ قدحا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مرارا فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء ...اهـ
وفي الآداب لآداب الشرعية لابن مفلح: قال صالح ( يعني ابن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى ) ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحا فيه ماء فيقرأ عليه ويقول لي اشرب منه واغسل وجهك ويديك .
ونقل عبد الله أنه رأى أباه يعوذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه ويصب على نفسه منه. قال عبد الله: ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في جب الماء ثم شرب فيها، ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم فيستشفي به ويمسح به يديه ووجهه .
وقال يوسف بن موسى: إن أبا عبد الله كان يؤتى بالكوز ونحن بالمسجد فيقرأ عليه ويعوذ ...
ويكره التفل بالريق والنفخ بلا ريق وقيل في كراهة النفث في الرقية وإباحته مع الريق وعدمه روايتان .
وذكر السامري أن أحمد رحمه الله كره التفل في الرقى وإنه لا بأس بالنفخ. قال ابن منصور لأبي عبد الله يكره التفل في الرقية قال أليس يقال إذا رقى نفخ ولم يتفل ؟ قال إسحاق بن راهويه كما قال .
وجزم بعض متأخري الأصحاب باستحباب النفخ والتفل ؛ لأنه إذا قويت كيفية نفس الراقي كانت الرقية أتم تأثيرا وأقوى فعلا ولهذا تستعين به الروح الطيبة والخبيثة فيفعله المؤمن والساحر، وفي شرح مسلم أن الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم استحبوا النفث قال القاضي عياض: وكان مالك ينفث إذا رقى نفسه. اهـ.
وفي مجلة البحوث الإسلامية أن الشيخ محمد إبراهيم مفتي المملكة أرسل لمن استفتاه فقال: قد وصل إلي كتابك المتضمن السؤال عن النفث في الماء ثم يسقاه المريض استشفاء بريق ذلك النافث وما على لسانه حينئذ من ذكر الله تعالى أو شيء من الذكر كآية من القرآن ونحو ذلك .
فأقول وبالله التوفيق : لا بأس بذلك فهو جائز ، بل قد صرح العلماء باستحبابه .
وبيان حكم هذه المسألة مدلول عليه بالنصوص النبوية، وكلام محققي الأئمة . وهذا نصها: قال البخاري في صحيحه: ((باب النفث في الرقية)) ثم ساق حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث حين يستيقظ ثلاثا ويتعوذ من شرها فإنها لا تضره . وساق حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد والمعوذتين جميعا ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده . وروى حديث أبي سعيد في الرقية بالفاتحة - ونص رواية مسلم: فجعل يقرأ أم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ الرجل. ...
وقال النووي : فيه استحباب النفث في الرقية ، وقد أجمعوا على جوازه ، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
وتكلم ابن القيم في ((الهدي)) في حكمة النفث وأسراره بكلام طويل قال في آخره: وبالجملة فنفس الراقي تقابل تلك النفوس الخبيثة وتزيد بكيفية نفسه وتستعين بالرقية والنفث على إزالة ذلك الأثر، واستعانته بنفثه كاستعانة تلك النفوس الرديئة بلسعها . وفي النفث سر آخر فإنه مما تستعين به الأرواح الطيبة والخبيثة ولهذا تفعله السحرة كما يفعله أهل الإيمان . اهـ .
وفي رواية مهنا عن أحمد : في الرجل يكتب القرآن في إناء ثم يسقيه المريض . قال: لا بأس به . وقال صالح : ربما اعتللت فيأخذ أبي ماء فيقرأ عليه ويقول لي: اشرب منه واغسل وجهك ويديك .
وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله في زوال الإشكال الذي حصل لكم فيما يتعاطى في بلدكم من النفث في الإناء الذي فيه الماء ثم يسقاه المريض . وصلى الله على نبينا محمد .
والله أعلمِ.