الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشكر الله لك حرصك على طلب العلم، ثم بالنسبة للمسألة الأولى وهي ما ذكرناه من أن المسلم ليس له أن يحدد يوما يجعله وقتا للزكاة، بمجرد التشهي، فهذا صحيح، لأن الزكاة إنما تجب عند حولان الحول الهجري على المال الذي بلغ نصابا، وإذا نقص المال عن النصاب قبل أن يحول عليه الحول، فإن الحول ينقطع بذلك، فإذا عاد المال فبلغ النصاب مرة ثانية بدأ المسلم في عد حول جديد من تاريخ بلوغ المال النصاب في المرة الثانية وهذا بالنسبة لغير مال التجارة، وأما مال التجارة فإن حوله إذا تقرر فإن نقصه عن النصاب أثناء الحول لا يبطله إلا أن يحول عليه الحول وهو ناقص، وإذا انقطع الحول فإن الزكاة من تاريخ بلوغ المال النصاب في المرة الثانية ولا تلزم حتى يحول الحول والمال مكتمل لم ينقص عن النصاب في أثناء الحول، وأما ما أفتاك به المفتون فلم يتبين لنا وجهه كما بينا لك، ولا يلزمك ـ إن شاء الله ـ دفع شيء، لأن الظاهر أنك دفعت زكاة مالك وزيادة.
وأما بالنسبة للمسألة الثانية وهي زكاة مؤخر الصداق ورفض الزوجة إخراجها، فقد بينا لك في الفتوى السابقة أن الزوجة لا يلزمها إخراج زكاة مؤخر الصداق إذا كان بيد زوجها، وإنما تجب عليها زكاته إذا قبضته فتزكيه لما مضى من السنين، وراجع الفتاوى التي أحلناك عليها في الفتوى السابقة.
وأما بالنسبة للمسألة الثالثة وهي معنى ما ذكرناه من أن الزوج إن كان عنده عرض للقنية يستغني عنه فإنه يجعله في مقابل الدين، فبيانه أن الزوج إن كان يملك بيتا لا يحتاج لسكناه أو سيارة لا يحتاجها للركوب أو أثاثا زائدا على حاجته ونحو ذلك، فإنه يحسب قيمة هذا العرض الذي يملكه ولا يحتاج إليه ويجعلها في مقابل ما عليه من الدين، أي إنه يقدر أنه قضى دينه بهذه العروض التي لا يحتاج إليها، ويزكي جميع ماله، فمثلا إن كان عليه عشرة آلاف وهذه العروض التي لا يحتاج إليها تساوي عشرة آلاف، فإنه في هذه الحالة يزكي جميع ماله ولا يخصم الدين من الزكاة، وإن لم يكن عنده من العروض ما يستغني عنه فإنه يخصم الدين من الزكاة، وبهذا البيان تعلم حكم زكاة الزوج الدين الذي عليه لزوجته وهو على هذا التفصيل، فإن كان عنده ما يستغني عنه من المقتنيات كسيارة أو أثاث زائد على الحاجة أو نحو ذلك فإنه يزكي جميع ماله بما في ذلك الدين الذي عليه لزوجته، وإن لم يكن عنده من المقتنيات ما يستغني عنه خصم الدين من مال الزكاة وزكى ما بقي، ولا بد من أن تعلم أن هذا المال الذي هو مؤخر الصداق دين في ذمة الزوج، والمال الموجود في يده هو ماله، فهل يزكي جميع ماله أو يخصم منه الدين الذي عليه؟ قد بينا لك بوضوح ما يجب عليه فعله، وهو في الحالة التي يجب عليه فيها زكاة جميع ما بيده وعدم خصم الدين من المال المزكى، فإذا زكى جميع ماله لم يكن بذلك قد زكى مؤخر الصداق، لأن مؤخر الصداق دين في ذمته، وهو يزكي ما يملكه من المال، فتدبر هذا فإنه واضح وبهذا يزول الإشكال ـ بحمد الله.
أما الزوجة فإنها إذا قبضت مؤخر الصداق فإنها تزكيه لما مضى من السنين كما بينا، ولا يشكل عليك أن هذا المال ـ الذي هو مؤخر الصداق ـ تكون قد أخرجت زكاته مرتين: مرة على الزوج، ومرة على الزوجة، لأن كل واحد منهما يزكي ماله، وإذا أرادوا الخروج من هذا فليؤد الزوج مؤخر المهر لزوجته وسيسلم من زكاته.
والله أعلم.