الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما ب
فشدة الزمان وتعاقب المحن على الإنسان لا تجيز للمسلم أن يدعو على نفسه بالموت، وقد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشد من ضاقت عليه الأمور لضر أصابه، أو خاف أن يفتن في دينه إلى دعاء جميل جامع، وليس فيه تسخط على القضاء، ففي البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي.
قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح الحديث السابق: فيه: التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا، وفيه: أنه إن خاف ولم يصبر على حاله في بلوه بالمرض ونحوه فليقل: اللهم أحيني إن كانت الحياة خيراً، إلخ. والأفضل الصبر والسكون للقضاء. انتهى باختصار من شرح صحيح مسلم للنووي.
وأيضاً قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت مطلقاً ـ سواء أكان هذا التمني بسبب ضر نزل بالمسلم أو لغير ضر ـ وبين سبب نهيه للمسلم عن تمني الموت أو الدعاء به على نفسه في أحاديث صحيحة منها: ما روه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً.
وفي صحيح البخاري أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب.
قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: اعلم أن تمني الموت اختيار من العبد لنفسه ما يظن فيه الخيرة، والخيرة غائبة عن الآدمي لا يعلمها، والمؤمن إذا بقي ازداد خيراً أو تاب من شر. والاستعتاب: الرجوع عن الإساءة إلى الإحسان. اهـ
وقال القرطبي في المفهم شرح صحيح مسلم: والاستعتاب: طلب العتبى، وهو الرضا، وذلك لا يحصل إلا بالتوبة والرجوع عن الذنوب. انتهى.
وقال الحافظ العراقي في طرح التثريب: أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى المعنى في النهي عن تمني الموت والدعاء به، وهو انقطاع الأعمال بالموت، ففي الحياة زيادة الأجور بزيادة الأعمال، ولو لم يكن إلا استمرار الإيمان فأي عمل أعظم منه؟. انتهى.
فالحاصل أن المؤمن منهي عن تمني الموت أو الدعاء على نفسه به، وعليه أن يصبر ويحتسب، ويأخذ بالأسباب التي تعينه على الصبر وعلى دفع المصائب وتحمل المشاق، وإن كان يخشى على نفسه فتنة أو فساداً فليدع كما ورد في الحديث السابق بقوله: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي.
فهذا فيه تفويض أمره إلى الله، وأن يختار له سبحانه الأنفع له من الحياة أو الموت. قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في شرح الحديث: قوله: فليقل: اللهم أحيني، إلخ، وهذا يدل على أن النهي عن تمني الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة، لأن في التمني المطلق نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء. انتهى.
أو يدعو بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل وفيه: وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ولمزيد من الفائدة حول موضوع تمني الموت وأحوال ذلك راجع فيه الفتوى رقم: 31781، تمني الموت بين المنع والاستحباب، والفتوى رقم: 31194 ، تمني الموت المطلق اعتراض على القدر، والفتوى رقم: 66567 ، اليأس والقنوط ليسا من شيم المؤمنين، والفتوى رقم: 51946 ، الدنيا دار ابتلاء.
ونسأل الله أن يفرج الكرب عن كل مكروب.
والله أعلم.