الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان المسؤول عنه إنما هو وساوس وشكوك فعلى السائل أن لا يلتفت إليها، وثوبه باق على طهارته لأن الأصل في الأشياء الطهارة حتى تثبت نجاستها، وننصحه بالإعراض عن الاسترسال في تلك الوساوس فأنفع علاج لها هو الإعراض عنها مطلقا، وراجع المزيد في الفتوى رقم: 3086.
وعلى تقدير حصول النجاسة يقينا فالجواب أن نقول:
إن كان كرسي سيارتك متنجسا وجلست عليه وثوبك به بلل فقد تنجس الموضع المبلول من الثوب وما لاقاه من البدن وهذا مذهب أكثر أهل العلم من الشافعية والحنابلة والحنفية وجمهور المالكية.
ففي الفتاوى الهندية على المذهب الحنفي: إذَا نَامَ الرَّجُلُ على فِرَاشٍ فَأَصَابَهُ مَنِيٌّ وَيَبِسَ، فَعَرِقَ الرَّجُلُ وَابْتَلَّ الْفِرَاشُ من عَرَقِهِ إنْ لم يَظْهَرْ أَثَرُ الْبَلَلِ في بَدَنِهِ لَا يَتَنَجَّسُ وَإِنْ كان الْعَرَقُ كَثِيرًا حتى ابْتَلَّ الْفِرَاشُ ثُمَّ أَصَابَ بَلَلُ الْفِرَاشِ جَسَدَهُ فَظَهَرَ أَثَرُهُ في جَسَدِهِ يَتَنَجَّسُ بَدَنُهُ كَذَا في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. انتهى.
ومعلوم أن المنى نجس عند الحنفية والمالكية.
وفى حاشية الدسوقي المالكي: ليس من زوال النجاسة جفاف البول بكثوب وحينئذ إذا لاقى محلا مبلولا نجسه. انتهى.
وراجع مذهب الشافعية والحنابلة في الفتويين: 45775، 62420.
وبناء على ما تقدم فإن الموضع المبلول من ثوبك يتنجس بملاقاة الكرسي المتنجس، وإذا تنجس الثوب المبتل تنجس به ما لامسه من بدنك، كما يتنجس الموضع الذي جلست عليه من فراش المسجد إذا أصابته رطوبة يمكن انتقالها وعليك تطهيره ولا يتنجس في حال الجلوس عليه بعد جفاف ثوبك، وصلاتك بنجاسة الثوب أو البدن باطلة إلا إذا كنت ناسيا فقد اختلف أهل العلم في صحتها، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية القول بالصحة، وإن أعدتها خروجا من خلاف أهل العلم فهذا أقرب للورع والاحتياط في الدين، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 6115.
وتطهير كرسي السيارة يكون بصب الماء على الموضع المتنجس حتى ينفصل الماء غير متغير بالنجاسة وإذا عسر إزالة لونها أو ريحها فيعفي عنهما.
قال الخرشي المالكي في شرحه لمختصر خليل: يعني أن محل النجس إذا غسل بالماء الطهور وانفصل الماء عن المحل طهورا، فإنه لا يلزم عصره لأن الغرض أن الماء انفصل طهوراً، والباقي في المحل كالمنفصل طاهر.
إلى أن قال:
والمعنى أنه يطهر محل النجس بغسل المزيل لجرمه في رأي العين بشرط زوال طعمه ـولو عسرـ أو لونه وريحه المتيسرين، فبقاء شيء من ذلك دليل على بقاء النجاسة في المحل.
وقال أيضاً: وأما زوال اللون والريح حيث عسرا فلا يشترط في تطهير المحل زوالهما. انتهى.
وفى كشاف القناع ممزوجا بمتن الإقناع الحنبلي: والمراد بالمكاثرة : صب الماء على النجاسة ( بحيث يغمرها من غير ) اعتبار ( عدد ) لما تقدم ( ولم يبق للنجاسة عين ولا أثر من لون أو ريح ) فإن لم يذهبا لم تطهر ( إن لم يعجز ) عن إزالتهما أو إزالة أحدهما قال في المبدع : وإن كان مما لا يزال إلا بمشقة , سقط كالثوب ذكره في الشرح. انتهى.
والله أعلم.