الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيا لله العجب، وهل الاعتراف بوجود الله كاف في نفي مذمة الكفر والزندقة عن المرء، فهؤلاء المشركون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقبله، وكذلك هم بعده، لا يجحدون وجود الله ولا ألوهيته، ولا ينكرون محبتهم له، ولكنهم مع ذلك يجعلون له أندادا في العبادة والمحبة، والقرآن مليء بذكر ذلك، كقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * [العنكبوت:61، 63} وقوله سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ. {الزخرف : 9}.
وكذا في شرك المحبة، يقول عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. {البقرة: 165}.
قال السعدي: لما بيَّن تعالى وحدانيته وأدلتها القاطعة، وبراهينها الساطعة الموصلة إلى علم اليقين، المزيلة لكل شك، ذكر هنا أن { مِنَ النَّاسِ } مع هذا البيان التام من يتخذ من المخلوقين أندادا لله أي: نظراء ومثلاء، يساويهم في الله بالعبادة والمحبة، والتعظيم والطاعة.
ومن كان بهذه الحالة - بعد إقامة الحجة وبيان التوحيد - علم أنه معاند لله، مشاق له، أو معرض عن تدبر آياته والتفكر في مخلوقاته، فليس له أدنى عذر في ذلك، بل قد حقت عليه كلمة العذاب.
وهؤلاء الذين يتخذون الأنداد مع الله، لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير، وإنما يسوونهم به في العبادة، فيعبدونهم، ليقربوهم إليه. اهـ.
وأقبح من شرك هؤلاء من يعتقد أن الله تعالى يحل في من يشاء من عباده، وصاحب هذا الاعتقاد الفاسد يمكنه أن يقول: أنا أعتقد وجود الله وألوهيته !! وقد سئل سلمان المرشد مؤسس هذه الطائفة الزائغة بعد أن ادعى أن الله ـ تعالى وتقدس ـ تقمص به، فقيل له: أنت إله وأغاخان إله فكيف تتسع الأرض لإلهين؟ فأجاب بقوله: إن الخالق يبث روحه فيمن يشاء، وقد يبثها في مائة من مخلوقاته فيصيرون أرباباً مثلي.
وقال عنه أبو الهيثم في كتاب (الإسلام في مواجهة الباطنية): العجيب في أمر سلمان أنه لم يكن ليصرح بمزاعمه الإلهية خارج حدود نفوذه قط ..
وأذكر أنني اجتمعت به وسألته عن هذه الدعوى التي تشيع عنه فأنكرها أشد الإنكار، وشهد على نفسه بالإسلام .. غير أن الواقع أن الرجل كان أذكى من أن يصرح بغير هذا أمام أي عاقل خارج جماعته. اهـ.
وأمر آخر ننبه عليه، وهو أن المرء لا يصح له إيمان ولا يستحق هذا اللقب الشريف، إلا بعد أن يؤمن بأركان الإيمان كلها، ومنها الإيمان بالكتب والرسل الذين ختموا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته القرآن الكريم. ومنها الإيمان باليوم الآخر الذي ينقضه النصيرية وغيرها من فرق الباطنية باعتقاد تناسخ الأرواح.
وعلى أية حال فإن كان السائل لا يعرف حقيقة المرشدية وأصلها النصيري وأساسها الباطني، فننصحة بقراءة الكتاب السابق، وكذا الكتاب الذي أحلنا عليه في الفتوى رقم: 116238، وهو كتاب (فرق معاصرة) للدكتور غالب العواجي، وهو أستاذ متخصص في الفرق، وكان يدرس مادتها لطلبة الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام.
والله أعلم.