الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اتفقت كلمة أهل العلم على أنه إذا تم العقد الشرعي ودفع الزوج المهر فلا يجوز لولي المرأة أن يمنعه من البناء بل ولا يجوز للزوجة نفسها أن تمتنع من ذلك.
جاء في المجموع شرح المهذب: وحكى الشيخ أبو حامد أن الشافعي رحمه الله في الاملاء قال: إذا دفع مهرها ومثلها يجامَع فله أن يدخل بها ساعة دفع إليها المهر أحبوا أو كرهوا، واختلف أصحابنا فيها، فقال الشيخ أبو حامد: يجب على الزوج الامهال يوما واحدا، وما قال في الاملاء أراد به بعد الثلاث. وقال القاضي أبو حامد: هل يجب عليه الإمهال ؟ فيه قولان:
أحدهما:لا يجب عليه الإمهال لأنه قد تسلم العوض فوجب تسليم المعوض كالبيع.
والثاني: يجب عليه الامهال لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تطرقوا النساء ليلا) رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث جابر. انتهى.
فإن كان الزوج قد دفع ما لزمه من مهر سواء جميعه أو المقدم منه وأصر والدك بعد ذلك على منعه من الزفاف فلا شك أنه مخطىء بفعله هذا ظالم للزوج ظلما ظاهرا.
وعلى كل حال فعليك أن تذكري زوجك بالله سبحانه وبأمره بالعفو والصفح في مثل قوله سبحانه, فقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. {النور: 22}. وقال سبحانه: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.{الشورى:40}, وأنه سبحانه قد ندب إلى رد السيئة بالحسنة استصلاحا للمسيء واستئلافا لقلبه فقال سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.{فصلت : 34}.
ولقد كان العفو والصفح والدعاء للمسيء من أخلاق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين .
وفي صحيح البخاري قال عبد الله: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه و سلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ).
ويمكنك أن توسطي لديه من يملك التأثير عليه كوالديه أو إخوته ونحو ذلك ليحملوه على التغاضي عما كان من أبيك, ثم اطلبي من أبيك أن يظهر لزوجك من حسن المعاملة وطيب الحديث ما عساه أن يزيل ما في صدره عليه.
هذا وعليك أن تسلكي في كل هذا سبيل اللطف واللين واحذري من أن تعرضي حياتك وحياة زوجك وابنتكما إلى أي اهتزاز، فإن تبين لك أن الزوج ماض فيما هو فيه من قطيعة فاصبري حتى يغلب على ظنك أنه صار أقل تشبثا بموقفه، هذا وعليك أن تنصحه في شأن مقاطعته لأخيه واطلعيه على هذه الفتوى والفتوى رقم: 4417.
والله أعلم.