الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكرناه في الفتوى المشار إليها هو ما علمناه من مذاهب الفقهاء، فقد نصوا على اشتراط نية الجمع في وقت الأولى وهو ما يقتضيه النظر الصحيح، فإن تأخير الصلاة قد يكون للجمع وقد يكون لغيره، والنية هي الفاصلة بين الأمرين، فإن من أخر الصلاة حتى يجمعها مع الثانية عند وجود العذر المبيح للجمع ولم ينو الجمع في وقت الأولى صار كالمفوت لها، وصارت في حقه قضاء، قال النووي ـ رحمه الله ـ في المجموع: قال الأصحاب: يجب أن يكون التأخير بنية الجمع، وتشترط هذه النية في وقت الأولى، بحيث يبقى من وقتها قدر يسعها أو أكثر، فإن أخر بغير نية الجمع حتى خرج الوقت أو ضاق بحيث لا يسع الفرض عصى وصارت الأولي قضاء يمتنع قصرها، إذا منعنا قصر المقضية في السفر. انتهى.
وقال الشيرازي في المهذب مبينا المعنى الذي لأجله اشترطت النية في وقت الأولى: وإن أخر الأولى إلى الثانية لم يصح إلا بالنية، لأنه قد يؤخر للجمع وقد يؤخر لغيره، فلابد من نية يتميز بها التأخير المشروع عن غيره ويجب أن ينوي في وقت الأولى. انتهى.
وقال البهوتي في كشاف القناع: وإن جمع جمع تأخير في وقت الثانية اشترط له شرطان: أحدهما: أشار إليه بقوله: كفاه ـ أي أجزأه ـ نية الجمع في وقت الأولى، لأنه متى أخرها عن وقتها بلا نية صارت قضاء لا جمعا ما لم يضق وقت الأولى عن فعلها، فإن ضاق وقت الأولى عن فعلها لم يصح الجمع، لأن تأخيرها إلى القدر الذي يضيق عن فعلها حرام، وأثم بالتأخير، لما تقدم. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية: يشترط لصحة جمع التأخير نية الجمع قبل خُرُوجِ وَقْتِ الأُْولَى بِزَمَنٍ لَوِ ابْتُدِئَتْ فِيهِ كَانَتْ أَدَاءً، فَإِنْ أَخَّرَهَا بِغَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ أَثِمَ وَتَكُونُ قَضَاءً لِخُلُوِّ وَقْتِهَا عَنِ الْفِعْل أَوِ الْعَزْمِ. انتهى.
فإذا تبين لك هذا، فإن كنت قد عملت بغير هذا القول متابعا لمن يعتبر قوله من العلماء، فلا حرج عليك ـ إن شاء الله ـ ولكن ينبغي فيما يستقبل أن تلتزم الإتيان بنية الجمع في وقت الأولى، لقوة هذا المذهب وظهور تعليله ولما فيه من الخروج من خلاف العلماء، وما ذكرته من كون وقت الثانية وقتا للأولى في حق المعذور لا يشكل على ما ذكرناه من أقوال العلماء، فهم وإن سلموا به، لكنهم يقولون: شرط ذلك أن يأتي بالنية في وقت الأولى إذا رخص له في تأخير الصلاة حتى يفعلها مع التي تليها، وهذا من تخفيف الله على عباده ورحمته بهم أنه تعالى لم يكلفهم بفعل الصلاة في وقتها مع وجود المشقة عليهم في ذلك، بل لهم أن يؤخروها ليجمعوها مع التي تليها تأخيرا ولا يطالبون إلا بنية الجمع في وقت الأولى.
وأما ما مضى من صلواتك: فنرجو أن لا يكون عليك إثم بسبب جهلك بالحكم، وقد نص الفقهاء على أن من نسي نية الجمع ومثله الجاهل فليس عليه إثم، بل هو معذور، وأما صلاتك فقد وقعت مجزئة مسقطة للفرض وإن كانت قضاء لا أداءا عند الجمهور، قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: وقول الغزالي: لو نسي النية حتى خرج الوقت لم يعص وكان جامعا، لأنه معذور ظاهر في قوله لم يعص، وليس بظاهر في قوله وكان جامعا لفقد النية. انتهى.
وأما فيما يستقبل: فعليك إذا أردت الجمع بين الصلاتين في وقت الثانية أن تنوي في وقت الأولى قبل أن يضيق وقتها على ما مر بك من كلام العلماء ، واعلم أن في الجمع بعذر السلس خلافا بين العلماء، فأجازه الحنابلة ومنع منه الجمهور، والأحوط تركه خروجا من الخلاف.
والله أعلم.