الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر في هذا واسع ولا يلزمك شيء ـ إن شاء الله ـ ورميك صحيح ـ سواء جعلت مكة عن يمينك أو عن شمالك، وسواء استقبلت القبلة حال الرمي أو استقبلت الجمرة ـ إذ المقصود أن يتحقق الرمي.
فإذا كنت قد استوفيت العدد المأمور به من الحصيات، ووقعت الحصيات في المرمى المعتبر شرعا، فقد أجزأك الرمي وبرئت ذمتك، قال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ بعد ما بين أن السنة لمن يرمي الجمرة أن يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه: وهذا في الوقت الحاضر قد يكون صعباً، وقد ذكرنا قاعدة نافعة: أن مراعاة ذات العبادة أولى من مراعاة مكانها، فإذا أتاها من الشمال كان أيسر، لعدم المانع من جبل أو عقبة، المهم أن ترميها من مكان يكون أيسر لك وأن يقع الحصا في المرمى. انتهى.
فإذا علمت هذا، وعلمت أن الرمي قد أجزأك إذا وقع على وجهه المعتبر، ولا يؤثر في ذلك المكان الذي رميت منه الجمرة، فاعلم أن الأفضل في هذه العبادة أن يجعل رامي الجمرة مكة عن يساره ومنى عن يمينه ـ إن أمكنه ذلك ـ لثبوت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، جاء في الروض المربع مع حاشيته لابن قاسم: وندب أن يستبطن الوادي وأن يستقبل القبلة فتكون الجمرة عن يمينه، وعنه: يستقبلها، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما: أنه صلى الله عليه وسلم كان يرميها من بطن الوادي، مستقبلا لها، البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، وفي لفظ: حتى إذا حاذى بالشجرة اعترضها.
وقال الشيخ: يرميها مستقبلا لها، يجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، هذا هو الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود: أنه انتهى إلى جمرة العقبة، فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع، وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
ولا تكون منى عن يمينه ومكة عن يساره، إلا وهو مستقبل للجمرة، وفيهما عنه: أنه استقبل الجمرة حالة الرمي، فهو السنة المتبعة. انتهى.
وننبهك إلى أن الرمي كله عبادة واحدة، فمن ترك رمي جميع الأيام لم يلزمه إلا دم واحد، قال ابن الهمام في فتح القدير: ترك رمي الجمار في كل الأيام يلزمه به دم واحد. انتهى.