الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ينبغي للزوج أن يتحدث -عبر الهاتف- مع زوجته في أمور الجماع، لأن هذا النوع من الكلام محله الخلوة، حيث لا يطلع أحد على ما يدور بينهما، والهاتف وسيلة غير مأمونة حيث إنه من السهل التنصت على تلك المكالمات -الواردة والصادرة منهما- بل ومن السهل تسجيلها، ومن هنا ينبغي أن يحرص الإنسان على تجنب هذه المحادثات، وقد فسر بعض أهل العلم اللباس في قوله تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ {البقرة:187}، بالستر، قال القرطبي رحمه الله: وأصل اللباس في الثياب، ثم سمي التزام كل واحد من الزوجين بصاحبه لباساً، لانضمام الجسد وامتزاجهما وتلازمهما تشبيها بالثوب.... وقيل: لأن كل واحد منهما ستر لصاحبه فيما يكون بينهما من الجماع من أبصار الناس. انتهى.
فإن فعل الزوج هذا فعلى الزوجة أن تنبهه لهذا حتى لا يترتب على ذلك محظور. وأما إخبار الزوجة زوجها إنها فعلت ما طلبه منها بخصوص هذه الأمور والحال أنها لم تفعله فنقول الأصل في الكذب التحريم وأنه من الفواحش التي تهدي صاحبها إلى الفجور، ومن ثم إلى النار، لكن إن شق على الزوجة القيام بما يطلبه منها زوجها لعدم رغبتها وقلة شهوتها، وكان سيترتب على إخبارها بالحقيقة مفسدة كغضب الزوج ونفوره فلا حرج عليها - إن شاء الله- إن هي كذبت عليه، والأولى أن تستعمل التورية والمعاريض، فقد ذكر العلماء أن الحديث الذي يجلب المحبة والود بين الزوجين ولا يترتب عليه ضرر ولا تضييع حق واحد منهما يباح فيه الكذب، على خلاف بين العلماء هل المباح هو الكذب الصريح أو ما استعمل فيه التورية والمعاريض، ومستندهم في ذلك ما جاء عن أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فيقول خيراً، أو ينمي خيراً، قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس من الكذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، وحديث الرجل مع امرأته، وحديث المرأة زوجها. جاء في شرح سنن أبي داود لعبد المحسن العباد: وقوله (والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها) أي: فيما يجلب المودة بينهما، وما يكون سبباً في الألفة بينهما، بحيث إنه يقول لها ما يجعلها تألفه، وهي تقول له ما يكون سبباً في إلفه لها.انتهى.
وجاء في فتح الباري: قال الطبري: ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح وقالوا: إن الثلاث المذكورة كالمثال، وقالوا: الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة، أو ما ليس فيه مصلحة. انتهى.
وقال الإمام النووي: اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجباً كان الكذب واجباً.... إلى آخر كلامه.
وأما الطهارة فإنها لا تنتقض بمجرد هذا الكلام لكن إن ترتب عليه إنزال المني فقد انتقضت الطهارة الكبرى ووجب الغسل، وإن ترتب عليه نزول المذي فقد انتقضت الطهارة الصغرى ووجب إزالة النجاسة والوضوء، وحديثك معه في الهاتف في هذه الأمور ليس بمحرم لأنه حديث مع من أباح الشرع الحديث معه في مثل هذه الأمور، ويجب التنبيه إلى أنه لا يشرع له ولا لك الاستمناء بالوسيلة المذكورة إن انضم إليها حك عضو بيد أو فراش أو غيرهما، وإذا علمت أن الأمر سينضم إليه استمناء منه يقيناً أو ظناً غالباً فلا تجاريه فيه لما في ذلك من عونه على المعصية.
والله أعلم.