الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيرا لحرصك على تغيير المنكر وإصلاح ذات البين، فذلك من أفضل الأعمال عند الله، فعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ. رواه أبو داود.
واعلم أن الشرع قد نهى عن التدابر والهجران بين المسلمين، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. صحيح مسلم.
وكلما طال الهجر فالإثم أشد ، فعن أبي خراش السلمي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وإذا كان التدابر والهجران بين الإخوة من النسب كان ذلك أشد، فإن بينهم رحماً قد أمر الله بصلتها ونهى عن قطعها ، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.
وإذا كانت بنت أخيك قد تابت من فعلتها فلا يحل لكم مقاطعتها فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأما إذا كانت لم تتب فمقاطعتها تتوقف على المصلحة المترتبة عليها، فإن كانت المقاطعة تعين على ردها للصواب فهي أولى وإن كانت صلتها تعين على استقامتها فهي أولى. وانظر الفتوى رقم : 14139.
فينبغي عليك أن تنصح إخوتك بترك الهجران والحذر من القطيعة، وأن يتواصلوا فيما بينهم ابتغاء مرضاة الله، وليعلموا أنّ هذه القطيعة تفوّت عليهم خيراً كثيراً. فعن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِى كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. رواه مسلم.
وليعلموا أن في العفو خيراً لهم وأنه يزيدهم عزاً وكرامة ، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "..وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا. كما أن العفو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته ، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}.
كما أنّ صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.
وللفائدة راجع الفتاوى أرقام : 36568 ، 76116 ، 66144.
والله أعلم.