الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ندري مقصودك بالاستتابة على وجه التحديد، فإن كنت تقصد بذلك طلب التوبة منها، فإن هذا مكفول لكل من علم بذنبها، إذ هو من باب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف، وهذا لا يختص بأحد دون أحد، بل يشرع لكل من علم بالمعصية، واستتابتها بهذا المعنى أن يعلمها بجرم ما فعلته، وأن يذكرها بالله، ويطلب منها التوبة إليه من هذا الفعل، وتتضمن التوبة الندم على فعل هذا المنكر والإقلاع عنه، والعزم على عدم مواقعته مستقبلا.
وإذا أردت بالاستتابة المصطلح الفقهي الذي ذكره الفقهاء في أبواب الردة وتارك الصلاة ونحوهما، فإن الاستتابة بهذا المعنى لا توجد في الزنا، ولا يتوقف إقامة الحد عليها، بل إذا ثبتت الجريمة عند السلطان ببينة أو اعتراف فإنه يقيم الحد على الزاني حتى وإن تاب، جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية: كما لو تاب الزاني والسارق ونحوهما بعد أن يرفعوا إلى الإمام فإنه لا بد من إقامة الحد عليهم. انتهى.
أما العقد على الزانية فلا يصح إلا بعد التوبة على الراجح من كلام أهل العلم لقوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {النــور:3}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فأما تحريم الزانية، فقد تكلم عنه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم، وفيه آثار عن السلف، وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه. انتهى.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله عليه: وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من ينكحها إما زان أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يلتزمه ولم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان. انتهى.
ولا يجوز لمن أراد الزواج بها بعد توبتها أن يخبر والديه بمعصيتها، بل واجب عليه أن يكتم هذا ولايفشه لأحد من الناس، فإن أخبر بذلك والديه أو غيرهما فإن يكون إثما لمخالفته ما أمر الله به من الستر، وقد ورد في قصة ماعز رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أسلم يقال له هزال: يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك. رواه مالك في الموطأ مرسلا، والنسائي في السنن الكبرى، والطبراني في الكبير.
والله أعلم.