الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمؤخر الصداق دين في ذمة الزوج كسائر الديون، يدفع للزوجة من التركة قبل قسمتها، وليس له علاقة بنصيبها في الميراث، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 29526.
وإذا تقرر هذا فالدين إنما يقضى بمثله لا بقيمته، ولا عبرة بتغير أسعار الذهب، فالواجب أن يخرج من التركة هذا المقدار من الذهب (300 مثقال) أو قيمته يوم الأداء لا يوم الاستحقاق، أي بسعر السنة الحالية (2010)، وقد سبق أن نبهنا على ذلك في عدة فتاوى، فراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 33456، 49094، 125042.
وكذلك من جملة الديون التي يجب إخراجها من التركة قبل قسمتها: قيمة النفقة الواجبة على الوالد، إن وجبت عليه وهو موسر بها فلم يدفعها، وتحملها سواه غير متبرع بها، كخال السائل في مسألتنا هذه، فله أن يرجع بها على الزوج ما دام دفعها غير متبرع بها، بل على شرط الرجوع بها على الزوج، وذلك بعد ثبوتها ببينة معتبرة، كالكتابة والإشهاد المذكورين في السؤال، قال العلامة خليل في مختصره: ونفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلاً قادراً على الكسب، والأنثى حتى يدخل زوجها، وتسقط عن الموسر بمضي الزمن، إلا لقضية أو ينفق غير متبرع. انتهى. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 58768، والفتوى رقم: 24713.
وهنا لا بد أن ننبه إلى ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن قدر النفقة الواجبة إنما يكون بالمعروف، دون سرف ولا تقتير.
الأمر الثاني: إن وجوب هذه النفقة يسقط إذا بلغ الولد وكان قادراً على الكسب، فإن من الشروط المعتبرة لوجوبها أن لا يكون للولد مال، ولا قدرة على الكسب، وقد نص على ذلك الفقهاء، قال ابن قدامة في المغني في ما يشترط لوجوب هذا الإنفاق: أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به فلا نفقة لهم، لأنها تجب على سبيل المواساة والموسر مستغن عن المواساة. انتهى. وقال الشيرازي في المهذب: لا يستحق القريب النفقة على قريبه من غير حاجة، فإن كان موسراً لم يستحق، لأنها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة، وإن كان معسراً عاجزاً عن الكسب لعدم البلوغ أو الكبر أو الجنون أو الزمانة استحق النفقة على قريبه لأنه محتاج لعدم المال وعدم الكسب. انتهى.. وعلى هذا أكثر العلماء، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25339، 35641، 23776، 125177، 49056.
الأمر الثالث: أن مثل هذه الأمور التي تتداخل فيها الحقوق، وتتقادم فيها الأزمان ينبغي أن ترفع للقضاء الشرعي للبحث والنظر في ملابسات الأمور، لا سيما وأكثر الفقهاء لا يوجبون النفقة على الغائب إلا بحكم الحاكم.
والله أعلم.