الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس من شك في أن سؤالك قد تشعب الكلام فيه كثيرا، لذا فإنه ليس من الممكن الرد على كل جزئية منه حرفيا، وإنما سيكون الجواب مجملا.
وننصحك بأن تهوني على نفسك. واعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد مقاييس للجمال في المرأة المراد الزواج بها، وإنما قال لفظاً جامعاً شاملاً يصلح لكل أحد حسب تقييمه للجمال، إذ الجمال أمر نسبي كما لا يخفى، فقال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك بخير ما يكتنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته. رواه أبو داود والحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد.
فقوله صلى الله عليه وسلم: سرته. معناه أنه يصير مسروراً لجمال صورتها عنده، وهذا يختلف باختلاف الناس.
وينبغي التنبه إلى أن الحديث لم يكتف ببيان الجمال الظاهر، بل جمع إليه الجمال الباطن وهو أهم من الأول، فأضاف أنه إذا أمرها بأي أمر شرعي أو عرفي أطاعته وخدمته، وإذا غاب عنها حفظته في عرضها وماله وعياله.
قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود في شرح الحديث الذي أشرت إليه: قوله (بخير ما يكنز المرء) أي بأفضل ما يقتنيه ويتخذه لعاقبته (المرأة الصالحة) أي الجميلة ظاهرا وباطنا... قيل فيه إشارة إلى أن هذه المرأة أنفع من الكنز المعروف، فإنها خير ما يدخرها الرجل لأن النفع فيها أكثر لأنه (إذا نظر) أي الرجل ( إليها سرته ) أي جعلته مسرورا لجمال صورتها، وحسن سيرتها، وحصول حفظ الدين بها ( وإذا أمرها ) بأمر شرعي أو عرفي ( أطاعته) وخدمته (وإذا غاب عنها حفظته) قال القاضي: لما بين لهم صلى الله عليه وسلم أنه لا حرج عليهم في جمع المال وكنزه ما داموا يؤدون الزكاة، ورأى استبشارهم به رغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى وهي المرأة الصالحة الجميلة، فإن الذهب لا ينفعك إلا بعد ذهابه عنك، وهي ما دامت معك تكون رفيقتك تنظر إليها فتسرك، وتقضي عند الحاجة إليها وطرك، وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ عليك سرك، وتستمد منها في حوائجك فتطيع أمرك، وإذا غبت عنها تحامي مالك وتراعي عيالك. انتهى.
ولم يظلم الإسلام المرأة، ومن عدله أنه لم يجعل الواجبات على المرأة وحدها، ولا على الرجل وحده، بل قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228} فللنساء من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات.
ومن جميل ما يروى أن ابن عباس وقف أمام المرآة يصلح من هيئته، ويعدل من زينته، فلما سئل في ذلك قال: أتزين لامرأتي كما تتزين لي امرأتي. ثم تلا الآية الكريمة: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).
ولا يحملنك استبطاء التزويج على أن تطلبيه بما لا يجوز؛ فما قدره الله لك منه ستجدينه لا محالة. ففي الحديث الشريف: إن روح القدسي نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ونعتقد أن هذا القدر كاف في إبطال الشبهة التي ثارت لديك، ونحن ننصحك أيتها الأخت بتقوى الله تعالى والإكثار من الاستغفار، فإنه سبب للرزق، كما ننصحك بالتعرف على النساء الصالحات، فإنهن خير معين في البحث عن الزوج الصالح.
والله أعلم.