الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لك مقاطعة أختك لمجرد خلاف حصل بينكما، ولا الامتناع من زيارة والديك من أجل ذلك، والواجب عليك مداومة برّ والديك وصلة أختك بما لا يترتب عليه ضرر في دينك أو دنياك، فقد نهى الشرع عن التدابر والهجران بين المسلمين، وكلما طال الهجر كان الإثم أشد، فعن أبي خراش السلمي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وإذا كان التدابر والهجران بين الأخوات من النسب كان ذلك أشد، فإن قطع الرحم من الكبائر، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري.
واعلمي أن ما تجدينه في صدرك نحوها إنما هو من نزغات الشيطان، فإنّ من أعظم مقاصد الشيطان إيقاع العداوة بين المسلمين وحصول التدابر والتباغض بينهم، ولذلك أرشد القرآن العباد أن يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب حتى لا يدعوا مجالاً للشيطان ليفسد بينهم، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا. {الإسراء: 53}. والذي ينبغي عليك أن تستعيذي بالله من نزغات الشيطان وتحسني الظن بها وتعامليها بالمعروف، ومن أنفع ما يعينك على التخلص مّما تجدينه نحوها ألا تستسلمي لما يلقيه الشيطان في قلبك نحوها، وكلما وسوس لك الشيطان بسوء نحوها تقابلي ذلك بالدعاء لها بخير، فإن ذلك بإذن الله يردّ كيد الشيطان، واعلمي أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}
كما أنّ المبادرة بالكلام الطيب ولو تكلّفا مما يذهب الأحقاد ويجلب المحبة، قال الغزالي: بل المجاملة تكلّفا كانت أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين وتقلّل مرغوبها وتعوّد القلوب التآلف والتحاب. إحياء علوم الدين. (4 / 349).
واعلمي أنّ في العفو عن المسيء خيراً عظيما وأنه يزيد صاحبه عزاً وكرامة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا. وهو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}.
والله أعلم.