الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم ـ أخي الكريم ـ أن ما ذكرته من غش وخديعة وكذب على العملاء: أعمال محرمة، وما أخذ من أموالهم بتلك الحيل والأساليب يلزم رده إليهم إلا أن يبرؤوا آخذه منه، ولا تجوز إعانة الآثم على إثمه، ومن فعل فهو شريك له فيه، ولكن مع ذلك، فباب التوبة مفتوح، ومن تاب إلى الله توبة نصوحا، فإن الله تعالى يقبل توبته ـ مهما عظمت ذنوبه ـ فإن رحمة الله وسعت كل شيء، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. { الزمر: 53 }.
وإن من أسمائه سبحانه وتعالى: الغفور الرحيم، فهو سبحانه وتعالى غفور رحيم بعباده، قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى. { طـه: 82 }.
وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح.
فالله سبحانه وتعالى كريم حليم يتجاوز عن المسيء ـ مهما عظم ذنبه ـ والمسلم الحق: هو الذي يجمع بين الخوف والرجاء، فهو يخاف من عذاب الله، ولكن يرجو رحمته سبحانه، فكما قال الإمام أحمد: أيهما غلب على الآخر هلك العبد.
فعليك ـ أخي الكريم ـ أن تحسن الظن بالله عز وجل، فإن من رحمته سبحانه وتعالى أن يبدل سيئات من تاب إليه إلى حسنات، قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. { الفرقان: 70 }.
ومن عدله سبحانه أنه لا يأخذ شخصا بجريرة غيره، قال تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. { الأنعام: 164 }.
هذا فيما يتعلق بتوبة العبد فيما بينه وبين ربه.
وأما حقوق الناس: فلا تتم التوبة إلا بالتحلل منها بردها إليهم مالم يبرؤوا آخذها منها ويسامحوه فيها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأحد ـ من عرضه أو شيء ـ فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم. رواه البخاري.
وقد فصلنا القول في كيفية التوبة من حقوق الناس ومظالمهم في الفتاوى التالية أرقامها: 41851،0 125190، 109211.
وكونك عاملا بسيطا لايعفيك مما أخذته من تلك الحقوق وما أعنت عليه مديرك في العمل أوغيره، لأن المعين على الإثم شريك فيه، لكن ضمان ما أخذه المدير من تلك الأموال دون معيتك عليه، لاعليك، وما أخذته أنت منها فضمانه عليك، وما اشتركتما فيه، فضمانه عليكما معا، ومن أداه يرجع على شريكه بما أدى عنه، وأيكما باشر استهلاك المأخوذ يستقر الضمان عليه وللثاني الرجوع عليه إذا أدى عنه.
ولا يلزم إعلام صاحب الحق بالكيفية التي أخذ منه بها، وإنما يكفي إيصاله إليه ولو بطرق غير مباشرة، ومن لم تستطع الوصل إليه فيمكن التصدق بحقه عنه.
والله أعلم.