الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فالذي سبق بيانه في الفتوى المشار إليها وهي برقم: 125259. أن مجرد سماع مثل هذه المسلسلات المذكورة في السؤال ليس كفرا مخرجا من الملة يعد صاحبه مرتدا، إلا إن كان المستمع مقرا بما يسمع معتقدا إياه أو راضيا به. أما الاستمتاع بذلك أو بغيره من المعاصي عموما فليس كفرا إلا إن استحله صاحبه. اهـ. وهذا بيِّن بحمد الله، في التفريق بين حصول الإقرار والرضا وبين عدمه. وهذا هو ما تريده السائلة، ولمزيد الإيضاح يمكن مراجعة الفتوى رقم: 131228. ففيها بيان أن مجرد حضور مثل هذه المجالس لا يخرج العبد من الملة هكذا بإطلاق، وإنما يكون مع الرضا بقولهم وإقرارهم عليه. وكذلك سبق لنا في الفتوى رقم: 135734. أن مشاهدة هذه الأشياء لمجرد التسلي مع اعتقاد بطلانها لا ينفع صاحبه في رفع الإثم، ولكنه ينفعه في رفع الكفر، لأن اعتقاد بطلانها يعني عدم الرضا بها، أو بتعبير أقرب لنصوص الشرع: يعني إنكار القلب لها، وهذا الإنكار القلبي يدل على بقاء أصل الإيمان. وبهذا يتبين أن الرضا بالكفر معناه قبول القلب وعدم إنكاره له. اهـ. ولا يخفى أنه لا بد من فهم كل جواب في ضوء سؤاله، فالسائل ـ كما في الفتوى المحال عليها أخيرا ـ عند ما يسأل عن حكم مشاهدة القصص اليابانية التي تحتوى على مخالفات عقائدية وألوهيات باطلة، ويقول: (مع اعتقاد بطلانها ... علما بأني لا أقرهم عليها) فإننا نقطع بأن قلبه منكر لهذا المنكر وأنه غير راض به، ومع ذلك فإننا نتصور بيسر أنه عند مشاهدته لها يحصل له نوع استمتاع، ولا تعارض بين الأمرين، كما إننا نعلم أن المؤمن حين يعصي الله تعالى لا يطمئن للمعصية كما يطمئن لها الكافر، ولا يكون مثله في ارتياح القلب وقبوله وانشراحه، ومع ذلك فإننا نعلم أنه يستلذ بها ويشتهيها وإلا لما فعلها، وهذا هو معنى الاستمتاع بها، فنحكم بعدم كفره من ناحية، وبضعف إيمانه من ناحية أخرى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن. متفق عليه. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان كان عليه كالظلة فإذا انقلع رجع إليه الإيمان. رواه أبو داود وصححه الألباني. فهل معنى ذلك أن من مات حال الزنا يكون كافرا مرتدا ؟!! والجواب: لا ، ولكنه ضعيف الإيمان، وإنما منع من تكفيره ما في قلبه من الإيمان، والذي من جملته أنه لا يستحل المعاصي ولا يرضاها، وإن كان يشتهيها ويفعلها. وعلى هذا فلا بد من التفريق بين الرضا الذي حقيقته طمأنينة القلب وانشراحه وقبوله، والذي يستلزم عدم إنكار القلب للمنكر، وبين مجرد حضور الفعل ومشاهدته والاستمتاع بذلك من غير رضا ولا إقرار. وهذا من حيث الكفر لا من حيث الإثم، كما سبق التنبيه عليه. والله أعلم.