الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يكاد يخلو امتثال أمر أي آمر من نوع مشقة، لأن النفس تميل إلى الراحة والدعة وتنفر مما لا يناسبها، ويظهر هذا بجلاء إذا كان الأمر بما يخالف هوى المرء، فهاهنا لا ينفك الامتثال عن مشقة، ولا يخفى أن مقدار ذلك يتفاوت تفاوتا عظيما من حال إلى حال، ومن شخص إلى شخص، ومن أمر إلى أمر.
وبالنسبة للوالدين فطاعتهما لازمة مع وجود هذه المشقة إلى أن تفحش وتكبر وتقترب من معنى الضرر الذي جاءت الشريعة بإزالته فعندئذ لا تجب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا. اهـ.
وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 27866، 108354، 76303.
وأما ضابط الضرر الذي جاءت الشريعة بإزالته: فيمكن تقريبه بكونه: ما فيه مشقة زائدة يصعب تحملها عادة، وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 125496.
وجدير بالذكر هنا أن وضع حد فاصل أو خط قاطع بين حدود المشقة المحتملة وغير المحتملة، بحيث يجري ذلك مجرى الحدود الجامعة المانعة أمر متعسر، لاختلاف ذلك في حقيقته وأثره باعتبار الأشخاص والأحوال والأعراف، ولهذا قال الدكتور أحمد موافي في رسالته للماجستير ـ الضرر في الفقه الإسلامي: الشريعة تنظر إلى مقدار إخلال التصرف بالمصلحة ـ أي إلى مقدار الضرر ـ فإذا كان كبيرا فاحشا اعتبرته ضررا واجب الإزالة، وإذا كان يسيرا ـ أي قليلا يشق الاحتراز منه ومثله يحتمل عادة ـ لم تعتبره، ومن ثم لا يمنع منه، على أنه يجري الخلاف بين الفقهاء بخصوص بيان حد الإخلال الكبير الذي يعتبر مثله ضررا ممنوعا منه في الحكم، كذلك يمكن القول بأن الفقه الإسلامي على وجه العموم يعول في كثير من الأحيان في بيان حد الإخلال الكبير الذي يعتبر مثله ضررا واجب الإزالة على العادة والعرف. اهـ.
والله أعلم.