الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا تمضمض الصائم في الطهارة ثم سبق الماء إلى حلقه من غير مبالغة منه ولا تفريط لم يفسد صومه بذلك ـ على الراجح، وهو مذهب الشافعية والحنابلة ـ ولا يفسد كذلك إن تمضمض لحاجة ـ كغسل فمه من نجاسة ـ وأما إن بالغ في المضمضة أو أسرف فسبق الماء إلى حلقه، فهل يفسد صومه أو لا؟ اختلف العلماء في ذلك والمذهب عند الحنابلة أنه لا يفطر بذلك، لعدم القصد، وعندهم قول بأنه يفطر بذلك لتعديه، والمذهب عند الشافعية أنه يفطر بذلك وعندهم قول بعدم الفطر، وهذا الخلاف يجري فيما لو تمضمض لغير حاجة كما لو وضع الماء في فيه عبثاً وألحقوا به ما لو تمضمض للعطش، وعن أحمد ما يدل على أن العطش من الحاجات التي لا تكره معها المضمضة، والحاصل: أن ما فعلته من وضع الماء في فمك لأجل العطش مكروه عند كثير من العلماء، وفي فساد صومك بسبق الماء إلى حلقك ـ والحال ما ذكر ـ الخلاف المشار إليه، والقول بعدم فساد الصوم قول قوي له اتجاه وذلك، لأنه لم يكن منك تعمد لانتهاك حرمة اليوم، والله تعالى قد عفا عن المخطئ، قال تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا.
{ البقرة: 286 }.
قال الله في جوابها قد فعلت.
أخرجه مسلم.
ولكن قضاء هذا اليوم أحوط وأبرأ للذمة، والخطب يسير ـ إن شاء الله ـ وهاك طرفا من كلام أهل العلم فيما يتعلق بما ذكرناه من الأحكام، قال النووي في المجموع: يستحب للصائم المضمضة والاستنشاق في وضوئه كما يستحبان لغيره، لكن تكره المبالغة فيهما، فلو سبق الماء، فحاصل الخلاف في المضمضة والاستنشاق إذا وصل الماء منهما جوفه أو دماغه ثلاثة أقوال أصحها: عند الأصحاب إن بالغ أفطر، وإلا فلا.
والثاني: يفطر مطلقاً.
والثالث: لا يفطر مطلقاً.
والخلاف فيمن هو ذاكر للصوم عالم بالتحريم، فإن كان ناسياً، أو جاهلاً لم يبطل بلا خلاف، ولو غسل فمه من نجاسة فسبق الماء إلى جوفه فهو كسبقه في المضمضة، ولو جعل الماء في فيه لا لغرض فسبق ونزل إلى جوفه فطريقان حكاهما المتولي، أحدهما: يفطر، والثاني: على القولين.
انتهى باختصار.
وفي المغني لابن قدامة: وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فلا شيء عليه، وقال مالك وأبو حنيفة: يفطر.
فأما إن أسرف فزاد أو بالغ في الاستنشاق فقد فعل مكروهاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ـ حديث صحيح، ولأنه يتعرض بذلك لإيصال الماء إلى حلقه، فإن وصل إلى حلقه فقال أحمد: يعجبني أن يعيد الصوم، وهل يفطر بذلك؟ على وجهين:
أحدهما: يفطر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المبالغة حفظاً للصوم، فدل ذلك على أنه يفطر به، ولأنه وصل بفعل منهي عنه فأشبه التعمد.
والثاني: لا يفطر به، لأنه وصل من غير قصد فأشبه غبار الدقيق إذا نخله.
فأما المضمضة لغير الطهارة: فإن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه ونحوه فحكمه حكم المضمضة للطهارة، وإن كان عابثاً أو تمضمض من أجل العطش كره، وسئل أحمد عن الصائم يعطش فيتمضمض ثم يمجه قال: يرش على صدره أحب إلي، فإن فعل فوصل الماء إلى حلقه، أو ترك الماء فيه عابثاً، أو للتبرد فالحكم فيه كالحكم في الزائد على الثلاث، لأنه مكروه.
انتهى مختصراً.
وقال البهوتي في كشاف القناع: وإن فعلهما ـ أي المضمضة والاستنشاق ـ لغير طهارة: أي وضوء، أو غسل فإن كان لنجاسة ونحوها فكالوضوء، وإن كان عبثاً، أو لحر، أو عطش كره، نص عليه، سئُل أحمد عن الصائم يعطش فيتمضمض ثم يمج الماء، قال يرش على صدره أحب إلي.
وحكمه في الفطر حكم الزائد على الثلاث، فلا يفطر به على ما تقدم.
انتهى.
وفي الإنصاف: وقال المجد في شرحه: إن فعله لغرض صحيح فكالمضمضة المشروعة، وإن كان عبثاً فكمجاوزة الثلاث، ونقل صالح: يتمضمض إذا أجهد.
انتهى.
والله أعلم.