الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي ـ أولا ـ أن في وجوب إعادة التعصيب والتحفظ لكل صلاة خلافا بين القائلين بوجوب وضوء المعذور لكل صلاة، وقد رجح الحنابلة أن ذلك لا يلزم، وانظري الفتوى رقم: 128721. والعمل بهذا يرفع عنك كثيرا من الحرج ـ فيما نرى.
وأما الوضوء لكل صلاة: فعليك أن تحرصي قدر جهدك على العمل بمذهب الجمهور فتتوضئين للصلاة بعد دخول وقتها، وذلك مراعاة للخلاف، ولأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة قد صححه جمع من الحفاظ، ولكن إذا ضاق الأمر جدا فنرجو أن يكون لك رخصة في العمل بقول المالكية من أن الحدث الدائم لا ينقض الوضوء، وهو اختيار شيخ الإسلام، كما ذكره في الاختيارات وعبارته: والأحداث اللازمة ـ كدم الاستحاضة وسلس البول ـ لا تنقض الوضوء ما لم يوجد المعتاد، وهو مذهب مالك. انتهى.
والخارج المعتاد عند المالكية ـ هو البول والغائط ونحوهما ـ إذا كان خارجا على وجه الصحة، ففي الفواكه الدواني في بيان ما ينقض الوضوء: يَجِبُ لِمَا يَخْرُجُ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ مِنْ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ الْمُعْتَادَيْنِ ـ وَهُمَا الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ ـ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ، قال في شرح هذه القيود: وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْخَارِجِ مِنْ الْقُبُلِ، أَوْ الدُّبُرِ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ الْمُلَازِمِ لِصَاحِبِهِ ـ وَلَوْ نِصْفَ الزَّمَنِ ـ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ. انتهى.
وقد بينا في الفتوى رقم: 134759 أن الأخذ برخص العلماء عند الحاجة مع كون ذلك ليس دأبا للمكلف ولا ديدنا له مما سوغه كثير من العلماء ولم يعدوه من تتبع الرخص المذموم شرعا.
وهذه المسألة من مسائل الاجتهاد قطعا، فإن أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة قد ضعفه بعض الأئمة ـ كمسلم صاحب الصحيح وغيره ـ وإن خالفهم غيرهم فأثبتوها، ومن ثم، فالعمل بقول الجمهور أحوط وأبرأ للذمة. ولكن لا حرج في العمل بقول المالكية عند الحاجة والمشقة الشديدة، كما أسلفنا.
والله أعلم.