الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنرجو أن يكون حج والدتك صحيحا ـ إن شاء الله ـ ونسأل الله أن يتقبل منها وأن يكتب لها الأجر وأن يحسن لنا ولها الخاتمة، والظاهر أن والدتك حجت متمتعة، فأما تركها التقصير بعد فراغها من عمرتها فقد قال بعض العلماء إن إحرامها بالحج لم ينعقد لتلبسها بإحرام العمرة، وذهب المالكية إلى انعقاده وأنها تكون متمتعة ويلزمها دم لتأخير التقصير عن محله، جاء في الشرح الكبير: وصح إحرامه بالحج بعد سعي للعمرة قبل حلقها، ثم إن أتم عمرته قبل أشهر الحج يكون مفردا وإن فعل بعض ركنها في وقته يكون متمتعا، وحرم عليه الحلق للعمرة حتى يفرغ من حجه وأهدى لتأخيره أي لوجوب تأخيره عليه بسبب إحرامه بالحج، فليس المراد أنه يطلب بتقديمه وإن أخره أهدى ولو فعله بأن قدم الحلق فلا يفيده. انتهى.
وإلى صحة الإحرام بالحج والحال هذه ولزوم الدم ذهب العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فقد: سئل فضيلة الشيخ - رحمه الله تعالى: رجل تحلل من عمرته بعد أن طاف وسعى ولم يحلق ولم يقصر ثم أحرم بالحج، ماذا يلزمه جزاك الله خيراً؟.
فأجاب فضيلته بقوله: الظاهر أنه باقٍ على تمتعه، ولكنه يلزمه عن ترك الحلق، أو التقصير فدية، بناء على ما هو مشهور عند الفقهاء من أن ترك الواجب تلزم فيه الفدية، فإذا كان موسراً قادراً وجب عليه أن يذبح فدية في مكة وتوزع كلها على الفقراء، وإن لم يكن قادراً فلا شيء عليه، أما النسك فهو تمتع، لأن هذه هي نيته. انتهى.
وسئل -أيضا- فضيلة الشيخ العثيمين ـ رحمه الله تعالى: المتمتع إذا نسي التقصير من شعره ثم دخل في الحج وتذكر بعد ما دخل في الحج، فما الحكم؟.
فأجاب فضيلته بقوله: هذه مسألة عظيمة، بعض العلماء يقول: لا حج له، لأنه أحرم بالحج في غير موضعه، إذ إنه لو كان يريد أن يكون قارناً لأحرم بالحج قبل الطواف، فهو الآن لا قارن، ولا متمتع، والذي نرى أنه متمتع وأنه يلزمه فدية لترك الحلق، أو لترك التقصير وحجه صحيح ـ إن شاء الله. انتهى.
وبه تعلم أن حج أمك صحيح ـ إن شاء الله ـ وأنه يلزمها دم يذبح في مكة ويوزع على فقراء الحرم إن استطاعت ـ كما مر ـ
وأما نسيانها التقصير في الحج فأمره يسير، فما عليها إلا أن تقصر من شعرها وتحل بذلك من جميع إحرامها، فإن الحلق، أو التقصير لا آخر لوقته، قال النووي ـ رحمه الله: ولا يفوت وقته - أي الحلق - ما دام حيا، لكن أفضل أوقاته ضحوة النهار يوم الأضحى، ولا يختص بمكان، لكن الأفضل أن يفعله الحاج بمنى والمعتمر بالمروة، فلو فعله في بلد آخر إما وطنه وإما غيره جاز بلا خلاف، ولا يزال حكم الإحرام جاريا عليه حتى يحلق. انتهى.
وأما ما وقع في تلك الفترة من محظورات الإحرام: فليس عليها فيه شيء لجهلها بالحكم، والأحوط أن تفدي عن كل محظور مما كان من قبيل الإتلاف كقص الشعر وتقليم الأظفار، والفدية هي على التخيير بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة.
وأما تسليمها على عمك يوم العيد وتهنئته بالعيد: فلا حرج فيه، وإن كانت صافحته بيدها فقد أخطأت، لأن مصافحة المرأة للرجال الأجانب لا تجوز على الراجح فعليها أن تستغفر الله تعالى ولا يؤثر ذلك على صحة حجها.
وأما ما سال منها من الدم عند رمي الجمرة: فلا أثر له كذلك على صحة حجها.
وأما رميها الجمرة ليلا: فإن كان قد وقع بعد منتصف الليل ـ كما هو الظاهر ـ فلا حرج عليها إن شاء الله، فإن وقت الرمي يبدأ عند كثير من العلماء بعد منتصف ليلة النحر، وكذا لا حرج عليها في التعجل من مزدلفة إلى منى إن كانت مكثت في مزدلفة بعد منتصف الليل ولو زمنا يسيرا، فإن كانت رمت الجمرة قبل منتصف الليل فعليها دم يذبح في مكة ويوزع على فقراء الحرم، لأن رمي الجمرة واجب يجبر تركه بدم، فإن عجزت فعليها صيام عشرة أيام قياسا على العاجز عن دم التمتع، فإن عجزت فلا شيء عليها، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وكذا إن كانت خرجت من مزدلفة قبل منتصف الليل فعليها دم لترك الواجب كما مر.
والله أعلم.