الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنوح عليه السلام من أولي العزم من الرسل، وقد جاهد في الدعوة إلى الله تعالى جهادا طويلا، فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى بما وسعه من الوسائل وبما أمكنه من السبل، فدعاهم ليلا ونهارا سرا وجهارا، كما هو معلوم من سيرته التي قصها القرآن في غير موضع، ولكن نوحا عليه السلام لم يجاهد الكفار بالسيف، فإن الجهاد لم يشرع إلا بعد إهلاك القرون الأولى بالعذاب المستأصل، فلما أنزل الله التوراة على موسى شرع فيها جهاد الكفار بالسيف، واستمر الحكم على ذلك، قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله: فهذه حكم شرع الله جهاد الكفار بأيدي المؤمنين لأجلها، وقد كان تعالى إنما يعاقب الأمم السالفة المكذبة للأنبياء بالقوارع التي تعم تلك الأمة المكذبة، كما أهلك قوم نوح بالطوفان، وعادا الأولى بالدبور، وثمود بالصيحة، وقوم لوط بالخسف والقلب وحجارة السجيل، وقوم شعيب بيوم الظلة، فلما بعث الله تعالى موسى عليه السلام وأهلك عدوه فرعون وقومه بالغرق في اليم، ثم أنزل على موسى التوراة، شرع فيها قتال الكفار واستمر الحكم في بقية الشرائع بعده على ذلك، كما قال تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس. انتهى.
وبه تعلم أن نوحا عليه السلام من سادة المجاهدين في ميدان الدعوة إلى الله تعالى، وأما الجهاد بالسيف فإنه لم يؤمر به أصلا، وقد حاز النبي صلى الله عليه وسلم قصب السبق ونال القدح المعلى في كل ميادين القرب والطاعات، فقد وفى كل مقامات العبودية حقها، من العلم والعمل والدعوة والجهاد وغير ذلك صلوات الله وسلامه عليه، فلا يساويه أحد من خلق الله فضلا عن أن يتقدمه في أبواب الخير والتقرب إلى الله تعالى.
والله أعلم.