الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي حديث مسلم والترمذي بيان النبي صلى الله عليه وسلم للاستعجال المذموم في الدعاء لما سأله الصحابة عن قوله صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم وما لم يستعجل، قالوا وما الاستعجال؟ قال يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
فدل هذا على أن المذموم هو الاستعجال المفضي للملل وترك الدعاء، وأما حرص العبد على تحقيق مطلبه فليس مذموما، ونرجو لمن عمل بآداب الدعاء وتحرى أوقات الإجابة أن يحقق الله مطلبه.
واعلمي أن إجابة الدعاء قد تقع بحصول عين ما يدعو به العبد في الحال، وقد تقع بعد وقت من دعائه، وهذا الوقت لا يعلم مقداره إلا الله، وقد يستجاب للعبد، ولكن لا يحصل له المطلوب بعينه، فإن صور الاستجابة تتنوع، فإما أن يعطى ما سأل، وإما أن يصرف عنه من السوء مثله، وإما أن يدخر له في الآخرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر! قال: الله أكثر. رواه أحمد وصححه الألباني.
قال ابن عبد البر في التمهيد: فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة. اهـ.
فكل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة: فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه. كما قال ابن حجر في فتح الباري.
وجاء في فتح الباري لابن حجر: قال الداودي: يخشى على من خالف وقال قد دعوت فلم يستجب لي أن يحرم الإجابة وما قام مقامها من الادخار والتكفير.انتهى.
وقد قدمت في أول كتاب الدعاء الأحاديث الدالة على أن دعوة المؤمن لا ترد وأنها إما أن تعجل له الإجابة، وإما أن تدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن يدخر له في الآخرة خير مما سأل فأشار الداودي إلى ذلك وإلى ذلك أشار ابن الجوزي بقوله: اعلم أن دعاء المؤمن لا يرد غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة، أو يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا، فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض ومن جملة آداب الدعاء تحري الأوقات الفاضلة كالسجود وعند الأذان ومنها تقديم الوضوء والصلاة واستقبال القبلة ورفع اليدين وتقديم التوبة والاعتراف بالذنب والإخلاص، وافتتاحه بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسؤال بالأسماء الحسنى وأدلة ذلك ذكرت في هذا الكتاب. اهـ.
وجاء في شرح رياض الصالحين للعلامة الشيخ ابن عثيمين: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ـ يعني أن الإنسان حري أن يستجيب الله دعاءه إلا إذا عجل ومعنى العجلة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول دعوت ودعوت فلم أر من يستجيب لي فحينئذ يستحسر ويدع الدعاء، وهذا من جهل الإنسان، لأن الله سبحانه وتعالى لا يمنعك ما دعوته به إلا لحكمة، أو لوجود مانع يمنع من إجابة الدعاء، ولكن إذا دعوت الله فادع الله تعالى وأنت مغلب للرجاء على اليأس حتى يحقق الله لك ما تريد، ثم إن أعطاك الله ما سألت فهذا المطلوب، وإن لم يعطك ما سألت فإنه يدفع عنك من البلاء أكثر وأنت لا تدري، أو يدخر ذلك لك عنده يوم القيامة فلا تيأس ولا تستحسر . ادع ما دام الدعاء عبادة فلماذا لا تكثر منه؟ بل أكثر منه استجاب الله لك، أو لم يستجب ولا تستحسر ولا تسئ الظن بالله عز وجل، فإن الله تعالى حكيم يقول الله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ـ والله الموفق.
فإذا تقرر هذا فاضرعي إلى الله تعالى أن يرزقك زوجا صالحا، فادعي بدعوة ذي النون وبالاسم الأعظم، فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ـ فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له. وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أتدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. رواه النسائي والإمام أحمد.
وعليك بالاستقامة على الطاعة والعفة والبعد عن الحرام، ففي حديث البخاري: ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله.
وقال الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33}. وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}. وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ { الطلاق: 3}.
ويمكن أن تعرضي نفسك بواسطة أحد محارمك على من ترتضين دينه وخلقه، واعلمي أن عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه لصلاحه، أو فضله، أو علمه، أو غير ذلك من الأغراض المحمودة جائز شرعا ولا غضاضة فيه، فقد أخرج البخاري من حديث ثابت البناني قال: كنت عند أنس ـ رضي الله عنه ـ وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه، قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها.
وقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب عرض ابنته حفصة على عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ثم عرضها بعده على أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وذلك حين تأيمت من خنيس ين حذافة السهمي ـ رضي الله عنه.
وقد عرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى عليه الصلاة والسلام المشار إليه بقوله تعالى: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ {القصص: 27}.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 111052، 125921، 63158 32655 14947 16946، 33345.
والله أعلم.