الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يفرج همك ويذهب غمك ويكشف كربك، وأن يرزقك عيشة هنية ونفسا طيبة سوية.
ونوصيك بأن تهون على نفسك وتفتح أمامها أبواب الأمل , وقد أحسنت فيما ذكرت من أنك في نعم لا عد لها ولا حصر, وسيتبين لك ذلك تماما إذا نظرت إلى من هم في مصائب أعظم من مصيبتك , ثم إن عليك أن تستحضر أن النقمة قد تحمل في طياتها نعمة, وأن المحنة قد تتضمن منحة كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى. فالزم الصبر فهو مفتاح الفرج, وفيه كسب للحسنات , ورفعة للدرجات , وكفارة للسيئات , والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة , وراجع في فضله الفتوى رقم: 18103. وعليك أن تجعل بينك وبين اليأس سدا منيعا , فهو من تسويل الشياطين, وسبيل إلى الشر لعين, وفيه اقتداء بالكافرين , قال تعالى: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. {يوسف : 87} . ولمزيد الفائدة راجع الفتويين: 23472،34598.
وأما المستقبل فمن أين لك أنه سيكون مستقبلا مظلما, فهذا من الغيب, والغيب لا يعلمه إلا الله, والخوف من المستقبل فيه قدح في التوكل وضعف في اليقين، وراجع الفتوى رقم: 66109. فأنت مطالب بأن تبذل الأسباب المشروعة , والتوفيق من عند الله تعالى, وقد وعد سبحانه من سار في طريق الخير أن يوفقه إليه كما قال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7){الليل} .
وجماع الخير في أن تعتصم بالله وأن تلتجئ إليه وأن تستقيم على شرعه وتصحب أهل الاستقامة والصلاح , فإن فعلت انجلت عنك الغموم وعشت عيش السعداء في هذه الدنيا وفي يوم اللقاء . وسيخيب بإذن الله ظن من يشمتون بك وينتظرون فشلك, فلا تلتفت إليهم ولا تجعل للشيطان سبيلا ليقلقك من جهتهم, ويدخل على قلبك الوساوس. وأما أبوك فإن كان قد ظلمكم وأساء إليكم فقد فعل ما يسخط الله تعالى وأتى بما يخالف الفطرة السليمة, إذ أن الأصل شفقة الآباء على أبنائهم والحرص على مافيه صلاحهم. ولكن عليك أن تتذكر أنه أبوك وأنك مأمور شرعا ببره والإحسان إليه ولو كان كافرا فضلا عن أن يكون مسلما, فإساءة الوالد لا تسقط عن الولد بره بحال فاحذر من أن تقع معه في شيء من العقوق أو تؤذيه بأي أذى وإن قل ودق. وانظر الفتوى رقم 72777 . وهكذا الحال بالنسبة للأم إن أساءت إليكم , بل إن حقها في البر أعظم كما بينا بالفتوى رقم 132373.
وأما انتقامك ممن آذاك, فإن كان المقصود الوالدين أو أحدهما فلا سبيل لك إليهما كما أسلفنا , وإن كان غيرهما فالعفو أفضل وأحسن عاقبة وأكمل كما هو مبين بالفتوى رقم: 27841 والفتوى رقم: 54408.
وننبه إلى أن القصاص من الظالم له ضوابط شرعية معينة تجب مراعاتها وهي مضمنة بالفتويين: 104846،107843.
وننصحك بمراسلة قسم الاستشارات بموقعنا هذا , فلعلك تجد منهم بعض التوجيهات النافعة.
والله أعلم