الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأشاعرة هم أتباع أبي الحسن الأشعري، والماتريدية أتباع أبي منصور الماتريدي. وهما من أقرب فرق المتكلمين إلى مذهب السلف وأصحاب الحديث، وقد بين هذا شيخ الإسلام في غير موضع من كلامه، ومن ذلك قوله رحمه الله: وأما الأشعرية فلا يرون السيف موافقة لأهل الحديث وهم فى الجملة أقرب المتكلمين إلى مذهب أهل السنة والحديث.
وقال رحمه الله : وإن كان في كلامهم من الأدلة الصحيحة وموافقة السنة ما لا يوجد في كلام عامة الطوائف، فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث، وهم يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم. انتهى.
فإذا علمت هذا فإن الأشاعرة والماتريدية قد وقعت لهم بعض الأخطاء والتأويلات الباطلة تصدى لها أهل العلم بالبيان، وذلك نصرة للحق ورحمة للخلق، فقد وقعوا في تأويل أكثر الصفات، ولم يثبتوا للرب تعالى مما أثبته لنفسه إلا عددا معينا من الصفات وغير ما أثبتوه يؤولونه، وهم في أبواب الإيمان منحرفون عن مذهب أهل السنة كما هو معلوم، فإن عندهم غلوا في الإرجاء، وهم في باب القدر أقرب إلى المجبرة، وتفصيل هذا يطول جدا، وقد وقع في تأويلاتهم لبعض الآيات من الخطأ ما هو ناشئ عن هذه الاعتقادات المخالفة.
فالواجب أن يقبل من كلامهم ما وافق الحق وهو كثير جدا في كتبهم المصنفة في التفسير، ويرد من كلامهم ما جانبوا الصواب فيه مع الاعتذار لهم والاستغفار لهم وسؤال الله تعالى أن يعفو عنهم، وأن تكون أياديهم البيضاء وجهودهم الكبيرة في نصرة الدين مما تقال به عثرتهم.
ولشيخ الإسلام كلام نفيس في بيان الموقف من هؤلاء المتكلمين.
قال رحمه الله: ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة وحسنات مبرورة , وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم , وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداء عن المعتزلة وهم فضلاء عقلاء احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه ؛ فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين وصار الناس بسبب ذلك منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل. وخيار الأمور أوسطها. انتهى.
وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله أن تفسير ابن عطية وأمثاله أفضل من كثير من التفاسير، وإنما أنكر عليهم مخالفتهم لكلام السلف من الصحابة والتابعين في مواضع نصرة للمذهب.
قال رحمه الله: وتفسير ابن عطية وأمثاله: أتبع للسنة والجماعة، وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري، ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل، فإنه كثيرًا ما ينقل تفسير محمد بن جرير الطبري، وهو من أجل التفاسير المأثورة، وأعظمها قدرًا. ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف، لا يحكيه بحال، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة، من أهل الكلام، الذين قرروا أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة، لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه، ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب.
فإن الصحابة، والتابعين، والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول، وجاء قوم فسروا الآية بشكل آخر لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة، والتابعين لهم بإحسان صاروا مشاركين للمعتزلة، وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا. انتهى.
وبما ذكرناه يتبين لك حكم تأويلات الأشاعرة والماتريدية للقرآن، وأن ما كان موافقا منها للحق وكلام السلف فهو مقبول، وهو في كلامهم كثير جدا، وأن ما كان منها مبنيا على الأصول التي أصولها مخالفا لمذهب السلف فإنه مردود غير مقبول، وإن كان قائله فاضلا على ما مر بيانه.
والله أعلم.