الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، وأن يلهمك رشدك، وأن يكفيك شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته.
ثم اعلمي أختنا الكريمة أن محاسن الإسلام مراعاة حال الاضطرار، سواء في الفروع أو في الأصول، حتى الذي يُكرَه على الكفر الصريح فلا حرج عليه في إظهاره ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان، كما قال تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل: 106}.
قال السعدي: من أكره على الكفر وأجبر عليه، وقلبه مطمئن بالإيمان راغب فيه، فلا حرج عليه ولا إثم، ويجوز له النطق بكلمة الكفر عند الإكراه عليها. اهـ.
والمقصود من هذا الكلام أن ننبه السائلة على أنها إن خشيت على نفسها القتل أو التعذيب والضرر البالغ، فلا حرج عليها في إخفاء إسلامها وشعائره الظاهرة. وبهذه القاعدة تعرف السائلة جواب معظم أسئلتها، فلا حرج عليها في التخفف من شروط الحجاب الشرعي بالقدر الذي يرفع عنها الضرر المحقق، ولا حرج عليها في الكذب لإخفاء دينها، وكذلك لا حرج عليها في السكوت إذا سمعت المنكرات المتعلقة بالتطاول على الإسلام، ويكفيها إنكار ذلك بقلبها.
ومن ذلك الفطر في رمضان إذا اضطرت إليه، فلا حرج عليها في ذلك، ولكن يجب عليها القضاء إذا تيسر لها ذلك، ففائدة الاضطرار رفع الإثم وأما القضاء فإنه واجب إذا قدرت عليه في أيام أخر.
وأما ما فاتها من صلاة وصيام في حياتها السابقة فالذي نراه أنه يكفيها التوبة الصادقة، فإن الذي فهمناه من قولها في وصف بيئتها التي نشأت فيها: لا يرحبون بأن يسلم شخص منهم ... كنت أعيش تقريباً مثلهم. أن أهلها ليسوا بمسلمين حقيقة، فما دامت السائلة كانت تعيش مثلهم فقد كان لها حكمهم، فلما تابت وأسلمت حقيقة، فهذا يجُبُّ ما قبله. فعليك بالاستقامة على طاعة الله بقدر طاقتك في ما تستقبلين من حياتك.
وأما مسألة نفقة أهلها عليها مع كونهم يضعون أموالهم في بنوك ربوية، فاعلمي أن صاحب المال المختلط الذي فيه حلال وحرام، لا يحرم الانتفاع بماله، على أننا لو افترضنا أن أموالهم كلها حرام وليس لك مال يخصك من الحلال فلا حرج عليك في تناول القدر الضروري في المعيشة، وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 128069.
والله أعلم.