مخالفة عرف البلاد في اللباس... رؤية اجتماعية شرعية أخلاقية

31-3-2002 | إسلام ويب

السؤال:
ما حكم من يخالف عرف البلاد التي يسكن فيها كاللباس الأفغاني للنساء والرجال وهل مخالفة العرف حرام مع العلم أن زي بلدنا فيه المواصفات الشرعية؟ وجزاكم لله خيراً.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأعراف والعادات والتقاليد في اللباس وغيره لها حالات، ولكل حالة حكمها:
الحالة الأولى: أن توافق هذه العادات الشرع بمعنى أنه يأمر بها، فعندئذٍ يتأكد الأخذ بها والعمل بمقتضاها.
الحالة الثانية: أن تخالف الشرع، وعندئذٍ لا يجوز الأخذ بها ولا العمل بمقتضاها، وأعظم حجة المشركين في رد الحق قولهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف:23] . وقولهم: (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا...) [لقمان:21] .
الحالة الثالثة: ألا توافق الشرع ولا تخالفه بمعنى أنها مسكوت عنها، وعندئذٍ يشرع موافقتها، لأن الله يقول: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) [الأعراف: 199] .
وما سمي المعروف معروفاً إلا أنه متعارف عليه بين الناس، وقد كان صلى الله عليه وسلم يوافق عادة العرب في لبسه، وكثير من أمور حياته ما لم تخالف الشرع، ومن القواعد الفقهية الكبرى التي ذكرها الفقهاء قاعدة (العادة محكمة) ومن المعلوم أن العلماء كانوا يأمرون بالمحافظة على المروءة، بل عدها أكثر علماء الحديث شرطاً في قبول رواية الراوي، كما عدها كثير من الفقهاء شرطا في قبول شهادة الشاهد والمروءة هي: ترك ما يذم عرفاً.
فالخلاصة: أنه يشرع لكل أهل بلد أن يلبسوا ما تعارف عليه الناس في نفس البلد، ويكره لهم مخالفته، بل قد يحرم، وذلك إذا وصل إلى حد يكون به لباس شهرة، ففي سنن ابن ماجه وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة" .
وثوب الشهرة هو الثوب الذي يلبسه الشخص ويخالف فيه الناس ليشتهر بينهم ويتميز عليهم، قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث: الشهرة ظهور الشيء فِي شُنْعة حَتَّى يَشْهَرَهُ النَّاسُ. انتهى.

قال الشوكاني في نيل الأوطار بعد نقله لكلام ابن الأثير: "والمراد أن ثوبه يشتهر به بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع الناس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعجب والتكبر." انتهى.

 وقال فيه أيضا : "وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ ثَوْبِ الشُّهْرَةِ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصًّا بِنَفِيسِ الثِّيَابِ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ ذَلِكَ لِمَنْ يَلْبَسُ ثَوْبًا يُخَالِفُ مَلْبُوسَ النَّاسِ مِنْ الْفُقَرَاءِ، لِيَرَاهُ النَّاسُ فَيَتَعَجَّبُوا مِنْ لُبْسِهِ وَيَعْتَقِدُوهُ، قَالَهُ ابْنُ رَسْلَانَ. وَإِذَا كَانَ اللُّبْسُ لِقَصْدِ الِاشْتِهَارِ فِي النَّاسِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ رَفِيعِ الثِّيَابِ وَوَضِيعِهَا وَالْمُوَافِقِ لِمَلْبُوسِ النَّاسِ وَالْمُخَالِفِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَدُورُ مَعَ الِاشْتِهَارِ، وَالْمُعْتَبَرُ الْقَصْدُ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ." انتهى.

والله أعلم.

www.islamweb.net