الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لبد رأسه الشريف في حجة الوداع وقال: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي. رواه البخاري ، وعند أحمد من حديث ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّدَ رَأْسَهُ ، وعند أبي داود: أنه لبد رأسه بالعسل ، والتَّلْبِيد وَهُوَ أَنْ يَجْمَع شَعْر الرَّأْس بِشَيْءٍ كَالصَّمْغِ عِنْد الْإِحْرَام لِئَلَّا تُنْتَتَف بِقِلَّةِ الدُّهْن وَلَا يَكْثُر فِيهِ الْقَمْل مِنْ طُول الْمُكْث فِي الْإِحْرَام, وقد ذكر بعض الفقهاء أن مسح المحرم رأسه الملبد إنما جاز للضرورة، قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل: الْمُحْرِمَ إذَا لَبَّدَ رَأْسَهُ قَالُوا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ وَلَا رَاعَوْا الْحَائِلَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ قَالَهُ شَيْخُنَا الشَّارْمَسَاحِيُّ وَقَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ أَيْضًا، قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ الْحَجِّ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى التَّلْبِيدِ فِي الْوُضُوءِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَأَمَّا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْحَائِلِ. اهـ مختصرا.
فمادة الجل إذا كان لها جرم يحول دون وصول الماء إلى الشعر لم يجز المسح عليها لغير ضرورة, قال النووي في المجموع: إذا كان على بعض أعضائه شمع، أو عجين، أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء كثر ذلك أم قل ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه، أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته. اهـ.
ولا تقاس مادة الجل على تلبيد المحرم رأسه فيما نرى, لأن التلبيد الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الحج دعت إليه الضرورة, بينما تلك المادة يضعها الشباب لمجرد الزينة وإظهار بريق في الشعر ولمعان وقد يدخل في التشبه بالكفار والفسقة فلا يمكن قياسه على التلبيد, ثم إن مادة الجل يدخل في صناعتها الجيلاتين الحيواني، كما بيناه في الفتوى رقم: 11407.
وإذا كان الحيوان المأخوذ منه ذلك الجيلاتين غير مذكى فإنه يكون نجسا ويتنجس تبعا لذلك ما خلط به من مادة الجل ويجب حينئذ إزالتها للوضوء والصلاة لكون الطهارة شرطا لصحة الوضوء، ولذا فإن الأحوط والأبرأ للذمة عدم استعمال الشباب لتلك المادة أصلا ومن استعملها وجب عليه أن يزيلها عند الوضوء، هذا ما نراه صوابا وإن كان بعض العلماء المعاصرين قد أخذ من تلبيد المحرم رأسه جواز مسح الرأس إذا كانت عليه مادة كصمغ، أو حناء ونحوه, قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح الزاد: ولو كان الرَّأس ملبَّداً بحنَّاء، أو صمغ، أو عسل، أو نحو ذلك فيجوز المسح، لأنه ثبت أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في إحرامه ملبِّداً رأسَه, فما وُضع على الرَّأس مِنَ التَّلبيد فهو تابع له وهذا يدلُّ على أن طهارة الرَّأس فيها شيء من التَّسهيل, وعلى هذا، فلو لبَّدت المرأة رأسها بالحِنَّاء جاز لها المسحُ عليه، ولا حاجة إلى أن تنقض رأسَها وتَحُتُّ هذا الحنَّاء، ولا سيما أن الرَّأس من أصله لا يجب تطهيرُه بالغسل، وإنما يطهرُ بالمسح، فلذلك خُفِّفَتْ طهارتُه بالمسح. اهـ.
والله أعلم.