الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن أصحاب الدراية بالعلوم الطبية قد يستفيدون من خبرتهم في التوقي من بعض الأمراض وأضرارها، وربما يراعون التدبير الصحي المفضي لسلامة أبدانهم أحيانا، ولكن هذا لا يلزم منه زيادة العمر الذي قدره الله لأن الأعمار مكتوبة والآجال مضروبة، والله عز وجل قد علم من يأخذ بأسباب السلامة ممن لا يأخذ بها، وكل إنسان كتب عمره وهو في رحم أمه ؛ وأجله لا يتقدم ولا يتأخر عن وقته، كما قال الله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف:34}. وقال تعالى : وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {المنافقون:11}. وقال تعالى : إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {نوح:4}. وكما في حديث مسلم : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات؛ بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
فإذا حان موت العبد أماته الله بحسب ما قدر له، فقد يموت من غير علة، وقد يموت بحادث سير أو قتل أو مرض أو غير ذلك من الأعراض. ففي حديث البخاري عن ابن مسعود قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال : هذا الإنسان وهذا أجله محيط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا.
فالموت لا علاج له؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام . وهو الموت . رواه البخاري ومسلم.
ولا يلزم من الصحة والتوقي والحذر أن يسلم صاحبها من الموت، فكم رأينا رجلا صحيح البدن ثم يموت فجأة من غير علة، قال الشاعر :
وكم من سليم مات من غير علة * وكم من مريض عاش حينا من الدهر
وقال الآخر : قد يموت الجبان في آخر الصف وينجو مقارع الأبطال .
والله أعلم.